أما بعد، فلن يخفى عليك احتراق قلوب المؤمنين وما أصيبوا به من الفجيعة بقتل عثمان، وما ارتكب به جاره حسدا وبغيا - بامتناعه عن نصرته، وخذلانه إياه، وإشلائه الغارة عليه حتى قتلوه في محرابه - فيا لها من مصيبة عمت جميع المسلمين، وفرضت عليهم طلب دمه ممن قتله، وأنا أدعوك إلى الحظ الأجزل من الثواب، والنصيب الأوفر من حسن المآب بقتال من آوى قتلة عثمان، رضي الله عنه وأرضاه، وأسكنه جنة المأوى.
فكتب إليه عمرو بن العاص:
من عمرو بن العاص، صاحب رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) إلى معاوية بن أبي سفيان. أما بعد، فقد وصل كتابك فقرأته وفهمته، فأما ما دعوتني إليه من خلع ربقة الإسلام من عنقي، والتهور في الضلالة معك، وإعانتي إياك على الباطل، واختراط السيف على وجه علي بن أبي طالب وهو أخو رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم)، ووصيه، ووارثه، وقاضي دينه، ومنجز وعده، وزوج ابنته سيدة نساء أهل الجنة، وأبو السبطين: الحسن والحسين سيدي شباب أهل الجنة، فلن يكن.
وأما ما قلت: إنك خليفة عثمان فقد صدقت، ولكن تبين اليوم عزلك عن خلافته، وقد بويع لغيرك، فزالت خلافتك.
وأما ما عظمتني به ونسبتني إليه من صحبة رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) وأني صاحب جيشه، فلا أغتر بالتزكية، ولا أميل بها عن الملة.
وأما ما نسبت [أبا الحسن] أخا رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) ووصيه إلى الحسد والبغي على عثمان، وسميت الصحابة فسقة، وزعمت أنه أشلاهم على قتله، فهذا كذب وغواية.
ويحك يا معاوية! أما علمت أن أبا الحسن بذل نفسه بين يدي رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم)، وبات على فراشه، وهو صاحب السبق إلى الإسلام والهجرة؟! وقد قال فيه رسول الله:
" هو مني وأنا منه، وهو مني بمنزلة هارون من موسى إلا أنه لا نبي بعدي ".
صفحه ۸۸