وطاهر بن الحسين "ذا اليمينين" سمّى بذلك لأنّه قال له المأمون: يمينك يمين أميرالمؤمنين وشمالك يمين فبايع بيمينك يمين أميرالمؤمنين. وكتب إليه بعض أصحابه كتابًا عنونه بقوله: للأمير المهذّب المكنّى بأبي الطيب ذي اليمينين طاهر بن الحسين.
والفضل بن سهل "ذا الرياستين" لأنّه دبّر أمر السيف والقلم، وولي رياسة الجيوش والدواوين، ودخل عليه شاعر يوم المهرجان وبين يديه الهدايا، فقال:
اليوم يوم المهرجان ... وهديّتي فيه لساتي
لك دولتان قديمة ... وحديثة ورياستان
لك في الذرى من هاشم ... بيت وبيت خسرواني
علم الخليفة حيث أنت ... فصرت في هذا المكان
فأمر له بجميع الهدايا.
وللشعراء تصرّفات عجيبة وتفنّنات غريبة في جملة من الأسماء من تفأل وهجاء وغير ذلك من ظرائف الأنحاء.
قال بعضهم في هجاء من اسمه لؤلؤ:
سمّتك أُمّك لؤلؤ فكأنّها ... علمت بأنّك بعد حين تثقب
وسمعت تدعى بالجواد فلم أزل ... متعجّبًا حتّى رأيتك تُركب
نظير قول بعضهم من جملة أبيات:
إذا قيل في الدنيا جواد فقل نعم ... جواد ركوب لا جواد عطاء
وقال الباخرزي في مأبون:
فكأنّه فرعون إلاّ أنّه ... من جانب الوجعاء ذوالأوتاد
والوجعاء المراد بها الاُست لا مطلقًا بل أُست المأبون.
وسمع البحتري قول ابن الرومي:
سمّاه أُسرته العلاء وإنّما ... قصدوا بذلك أن يتمّ علاه
فقال: أخذه من قولي:
كأنّ أباه حين سمّاه صاعدًا ... رأى كيف يرقى في المعالي ويصعد
وقال البحتري:
سمّاه سعدًا ثمّ لم يسعد به ... عمري لقد ألفاه سعد الذابح
ومن ظريف ما يُحكى أنّ شهاب الدين كان يومًا عند الملك الأشرف، فدخل عليه سعدالدين الحكيم، وكانت بينهما وحشة، فقال الأشرف: ما تقول يا شهاب الدين في سعدالدين؟ فقال: إذا كان عندك فهو سعد السعود، وإذا كان على السماط فهو سعد بلع، وفي الخيام عن الضيوف سعد الأخبية، وعند المريض سعد الذابح (وهذه الأربعة في برج الجدي والدلو ينزلها القمر) .
وممّا جاء للشعراء في مدح الأنساب والإفتخار بها في الأشعار قول أبي تمام:
نسب كان عليه من شمس الضحى ... نورًا ومن فلق الصباح عمودا
وقول البحتري:
نسب كما اطّردت كعوب مثقف ... لدن يزيدك بسطة في الطول
وقول الشريف الرضي:
لهم نسب كاشتباك النجوم ... ترى للمناقب فيه ازدحاما
وقول مهيار:
أعجبت بي بين نادي قومها ... أُمّ سعد فمضت تسئل بي
سرّها ما علمت من خلقي ... فأرادت علمها ما حسبي
لا تخالي نسبًا يخفضني ... أنا من يرضيك عند النسب
قومي استعلوا على الدهر علًا ... ومضوا فوق رؤس الحقب
عمّموا بالشمس هاماتهم ... وبنوا أبياتهم بالشهب
وأبي كسرى على أيوانه ... أين في الناس أب مثل أبي
سؤدد الملك القدامى وعلى ... شرف الإسلام لي والأدب
قد قبست المجد من خير أب ... وقبست الدين من خير نبي
وضممت الفخر من أطرافه ... سؤدد الفرس ودين العرب
وقولي في نسب بعض أكابر العلويين:
نسب عقدن أصوله ... بذوائب العليا فروعه
ولنختم هذا المقام بما قاله أبوالحسين ابن عبد الله السلامي مخاطبًا للشريف الرضي، ولعمري إنّ من ألّفت لأجله هذا الكتاب لخليق بذلك الخطاب:
متناسلين وأنت كنت مرادهم ... متردّدين إليك في الأصلاب
حتّى ولدت فأغفلوا أنسابهم ... وغدى وجودك أشرف الأنساب
وأمّا حسبه: فغرّة في جباه المآثر، وزهرة في رياض الفضل، قد عطّر جيب الدهر بأرجه، ولألأ سماء الشرف بأشعّته.
حسب لو لبست شمس الضحى ... نوره ما لبست ثوب غروب
برد فخر وعلى خير الورى ... بيّد السؤدد مزور الجيوب
والحسب هو ما يعدّ من مفاخر الآباء أو المال أو الدين أو الكرم أو الشرف في الفعل أو الشرف الثابت في الآباء، وقد يكون الحسب والكرم لمن لا آباء له شرفاء بخلاف المجد، والذي أراه أنّه لا يكمل للمرء فخره بحسبه إلاّ إذا كان له من المآثر ما كان لآبائه، وإلى ذلك يشير قول الشاعر:
إنّا وإن أحسابنا كرمت ... لسنا على الأحساب نتّكل
1 / 5