ذهب الماتريدية أن الله تعالى إذا خلق في ذهن العبد داعيه فعل اختياري أي صورة أم بطلبه النفس وتصوره ملائما ينبعث عنه شوقها أي ميلها إليه ويخلق الله تعالى ما يشاء فيه حالة اختيارية تمكن من قصد الفعل والترك على البدل تسمى الإرادة الكلية كما يشير إليه قوله تعالى: {لمن شاء منكم أن يتقدم أو يتأخر}[المدثر:37] {وماذا عليهم لو آمنوا بالله واليوم الآخر}[النساء:39] وصرفها بذلك التمكين إلى جانب معين هو الإرادة الجزئية، فإن كان هو قصد الحركة عند الاستطاعة أي سلامة الأسباب والآلات يخلق الله تعالى على جاري عادته في العبد الفعل مع القدرة التي يكون بها موصوفا بما يميزه على غيره ككونه قياما أو قعودا طاعة أو معصية إلى غير ذلك مما لا توصف به أفعاله تعالى كما يرشد إليه قوله تعالى: {إن الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم}[الرعد:11] {ولكن يؤاخذكم بما كسبت قلوبكم}[البقرة:225] فالحركة باعتبار نسبتها إلى قدرة الله وتكوينه تسمى خلقا وباعتبار نسبتها إلى قدرة العبد تسمى كسبا، وتصوير الملائم واستحضار كون المراد محبوبا للنفس بالعلم القائم بها الذي صار ملكة راسخة فيها من تكرر الجزئيات الملائم عليها؛ أي لكون متصور اللازم في ذلك العلم والقصد والإرادة الجزئية أي الكون مريدا اللازم للإرادة الكلية وتعلق القدرة الحادثة بالمقدور هو الكسب أي الكون قادرا للازم للقدرة وليس هي من الوجوديات؛ لأنها إما أحوالا أو أمورا اعتباريات والخلق ما يقع به المقدور لا في محل القدرة، ويصح انفراد القادر بإيقاع المقدور بذلك الأمر، وعلى هذا فالفعل الاختياري للعبد داخل تحت قدرة الله تعالى وتكوينه خلقا لتعلقه بوجود الفعل وتحت قدرة العبد كسبا لتعلقها بوصفه كما يرشد إليه قوله تعالى: {وما رميت إذ رميت ولكن الله رمى}[الأنفال:17] {والله خلقكم وما تعملون}[الصافات:96] فقد أثبت لذاته العلية الخلق ولنا العمل والكسب، وعلى الإرادة الجزئية الكسب يترتب الثواب والعقاب.
وذهب (الأشعري) إلى أنه تعالى قد أجرى عادة أنه يوجد في العبد قدرة واختيارا فإذا لم يكن هناك مانع أوجد فيه في فعله المقدور مقارنا لها أي لقدرة العبد وإرادته فيكون فعل العبد مخلوقا لله ابتداعا وإحداثا ومكسوبا للعبد والمراد بكسبه إياه مقارنته لقدرته وإرادته من غير أن يكون هناك تأثير أو مدخل في وجوده سواء كان محلا كما في شرح المواقف. ا ه.
قال (عبد السلام) على (الجوهرة): يسمى أثر القدرة الحادثة كسبا وإن لم تعرف حقيقته.
قال الأمير: إنا نعرفها...إلى قوله: وإن عجزت عن بيانها العبارة فيكفي الشعور بها إجمالا.
صفحه ۱۰۱