ولما اتسع نطاق العلوم وطلب العجم والعرب منطوقه والمفهوم، أبرز أمير المؤمنين علي عليه الصلاة والسلام لهم أساليب المجادلة وتحرير الدليلين من العقل والنقل في أثناء خطبه في المدينة والعراق، وقام بضده الطاغية بالشام، فقرر الجبر من غير احتشام، ونفث بما ألقاه على لسانه إبليس اللعين، فتلقفها عنه الجهلة ورد عليه رؤساء من الأنصار وغيرهم من المسلمين يعرف ذلك من طالع التواريخ وعلم منشأ فتنة الإسلام، ثم قيض إبليس بمهواة العراق آل أبي موسى الأشعري فمنهم من حكم بغير ما أنزل الله سبحانه، ومنهم الشاهد على حجر الخير، ومنهم القائم مع الأموية، ومنهم محيي المهاوي والفتن -أعني بذلك خليفة إبليس المدعو بأبي الحسن- المجوز لتكليف ما لا يطاق، والمموه على الأوهام سفهاء الشام والعراق، فلو لم يكن الغوص على الحقائق مطلوبا لكان بعثة الرسل كافية لتبيين الفقه لا غير، هل معظم ما في القرآن إلا مسائل العدل والتوحيد.
فإن قلت: أسلوب العلماء في كتب الكلام غير أسلوب القرآن.
قلت: وأنى للبشر أن يشابه كلامهم كلام عظيم القوى والقدر.
ثانيا: خاطب الله أهل اللسان بما يعقلون فلو خاطبهم بهذي التحاوير لأهل الكلام لتعسرت على بعضهم.
فإن قلت: هل عرفوا ما حرر في كتب الكلام؟
قلت: علماؤهم معروفون بالغوص على الحقائق، والقرآن قد شمل جميع الدقائق، قال سبحانه: {ما فرطنا في الكتاب من شيء}[الأنعام:38]، وعرفوه بأدنى تعريف لمعرفتهم بلغتهم وإنما تعسر علينا وعلى العجم لما تغير من اللسان فارتطمنا في اللحن أي ارتطام.
وهنا سؤال لطيف وهو: إن الله سبحانه أرسل النبي صلى الله عليه وآله إلى من شمله التكليف ومنهم من لا يستقر إيمانه بالبديهة أو بأدنى عارض إما لجمود فطنه أو لكثرة توارد الشكوك عليه إلا بمعرفة علم الكلام.
صفحه ۸۷