ضع بين يدي النباتي ورقة من شجرة وهو يصف لك نوع تلك الشجرة وحجمها وشكل أثمارها. وادفع إلى العالم بطبائع الحيوان عظمة من عظام حيوان لا يعرفه فيصف لك شكل هيكله العظمي، وقد يلبسه العضل ويكسوه بالجلد والشعر، وربما وصف لك طباعه، وما ذلك إلا لأن في الأجسام الحية ناموسا يقضي بتناسب أعضائها شكلا ووظيفة، فالشجرة المستطيلة كل شيء فيها مستطيل من الساق إلى الأغصان فالورق فالثمر، والشجرة المستديرة كل ما فيها مستدير ولو كانت الشجرتان من نوع واحد، فالتفاحة المستطيلة تحمل تفاحا مستطيلا، والتفاحة المستديرة تحمل تفاحا مستديرا، وقس على ذلك.
والتناسب المشار إليه أكثر ظهورا في الحيوان مما في النبات، وفي الإنسان أوضح مما في الجميع، فإن أشكال قوائم كل حيوان تناسب شكل سائر بدنه، وهي تتناسب في كل فرد من أفراد النوع الواحد تناسبا خاصا، فالإنسان الطويل يكون رأسه مستطيلا وأطرافه مستطيلة وكفاه مستطيلتين وقدماه مستطيلتين، وربع القامة تميل أعضاؤه إلى التربيع، ويقال نحو ذلك في القصير، كما ترى بهذه الأشكال.
شكل 9: رأس رجل قصير وكفه وقدمه.
شكل 10: رأس رجل طويل وكفه وقدمه.
شكل 11: رأس رجل معتدل وكفه وقدمه.
وللمصورين والنحاتين من زمن اليونان والرومان إلى الآن قواعد يبنون عليها إتقان صناعتهم بما تقتضيه من التناسب بين أعضاء الجسم، فالقامة عندهم ستة أضعاف طول القدم. وطول الوجه من أعلى الجبهة إلى أسفل الذقن كطول الكف من الرسغ إلى طرف الوسطى، وكل منهما يساوي عشر القامة، والصدر ربع القامة، ومن أعلى الصدر إلى أعلى الجبهة سبع القامة. ومحيط الرسغ نصف محيط العنق، وإذا قسمت الوجه إلى ثلاثة أقسام متساوية انتهى القسم الأول منها عند التقاء الحاجبين، والثاني في طرف الأنف، والثالث في أسفل الذقن، والقامة إذا قسمت إلى نصفين كانت السرة وسطا بينهما، فإذا توسد الإنسان على ظهره وأسبل ذراعيه إلى جنبيه وجعل السرة مركزا ورسم دائرة فإنها تمس الرأس والقدمين على السواء، وإذا بسط الرجل ذراعيه عرضا على زاوية قائمة من جسمه كانت المسافة بين طرفي الأنامل طول القامة تماما.
هذه هي القواعد العامة في تناسب الأعضاء، يسير عليها المصورون والنحاتون في إتقان صناعتهم، ولكنها صور ذهنية لا تكاد تنطبق على الواقع، إذ يندر أن يتفق ذلك التناسب بالضبط الكلي في جسم لما قدمناه من ميل الطبيعة إلى التنوع والتفرع تبعا للمؤثرات الخارجية أو للوراثة أو لأحوال أخرى، ومن أكبر المؤثرات في ذلك التفاوت اختصاص بعض الأعضاء بالعمل دون البعض الآخر، وأكثر ما يكون ذلك في الرياضة البدنية؛ فإن الأعضاء التي تستعمل تنمو وتتقوى، وتبقى سائر الأعضاء كما هي فيختل التوازن، وأعدل الأمزجة ما تناسبت فيه الأعضاء تناسبا تاما ولم يتغلب فيه عضو على عضو ولا جهاز على جهاز.
فراسة الأمزجة
يراد بالمزاج حالة من حالات البدن تتغلب فيها بعض أجهزته على البعض الآخر، وكانت الأمزجة عند القدماء أربعة، ثم ظهر أنها أكثر من ذلك كثيرا، حتى يكاد كل الإنسان يختص بمزاج، ولا يتشابه اثنان تشابها تاما، ولكن المحدثين حصروا تلك التنوعات في ثلاثة أمزجة، ولتفهم ذلك نبسط حال الأمزجة قديما وحديثا فنقول:
رأي القدماء:
صفحه نامشخص