علم أدب النفس: أوليات الفلسفة الأدبية
علم أدب النفس: أوليات الفلسفة الأدبية
ژانرها
وبالإجمال يقال: إن التعجب يحملنا على استقصاء السبب، والاستحسان يتجه بنا إلى الجميل، والإجلال يرتفع بنا إلى الصلاح. (5-2) المحبة
يتفرع من هذه الإحساسات، ولا سيما الشعور الثاني؛ أي الاستحسان، إحساسات أخرى تحرك بعض عواطفنا وتعظمها وتفخمها حتى تفوق على الرئيسية منها. وهي ثلاث درجات:
الأولى: «الميل» فما نستحسنه من الجمال نميل إليه ونرغب في التمتع به ما استطعنا إليه سبيلا، فنميل إلى سكنى الأرياف والجبال للتمتع بمناظر الطبيعة، ونميل إلى عشرة الخلان للذة فيها، ونميل إلى سكنى المدن لوفرة أطايب العيشة فيها، ونميل إلى قراءة الروايات لفكاهتها إلخ. ويقتصر الميل على الأمور التي لا تستلزم مشقة للحصول عليها، فكأننا نبتغي الحصول عليها مجانا، فإذا كانت تكلفنا مشقة استغنينا عنها.
الثانية: «الود» فإذا اشتد الميل إلى حد أن نكلف أنفسنا عناء للحصول على الجميل صار ودا، والود يدفعنا إلى طلب الجميل وبذل الجهد للحصول عليه، فإذا لم يتيسر لنا أن نسكن في وسط جمال الطبيعة لنتمتع بمناظرها الربيعية أنشأنا الحديقة، أو أنفقنا المال لأجل النزهة في المتنزهات، وإذا لم يتيسر لنا سمع الموسيقى في البيت دفعنا ثمن جواز الدخول إلى المغنى «مكان الغناء»، وإذا لم يأت إلينا العشير مشينا إليه.
الميل والود يقتصران على نيل الجميل الحاصل، ولكن إذا كان الجمال الذي نتوخاه المثل الأعلى الذي لا يدرك كان توخينا هذا حبا. وهو أعلى درجات المحبة، وهو أبلغ إحساساتنا الانفعالية التي تتجاوز حد الاستحسان مدى بعيدا جدا.
الثالثة: «الحب» وهو أعظم شعور فينا يستغرق معظم عواطفنا ويدمجها فيه، بل يعظم العاطفة تعظيما، يرتفع بها إلى أسمى درجات الخيال. الحب يجمع فيه معظم الأخلاق الجيدة التي مرت بك.
ولقد علمت فيما تقدم أن جرثومته الأولى في الغريزة الشهوانية التي ذكرناها في الحرف الأول، ولكن الإنسان الذي تعددت أخلاقه - كما علمت - وتطورت وترقت إلى أن بلغت حد الإحساس بالأمور العليا؛ كالمعجب والمدهش والجميل والجليل، نمت فيه جرثومة حبه تلك حتى تجاوزت الشهوة الغريزية إلى الشعور النفساني بالمثل الأعلى من الجمال.
فالحب الذي نحن بصدده يتجاوز الغريزة الجسمانية إلى الهوى الشعري، والمحب يتعشق المثل الأعلى من الجمال.
الحب روحاني، والشهوة جسدانية، وبينهما ما بين الروح والجسد من الفرق.
وبقدر ما لهذا الشعور - الحب - من العظمة والقوة في نفس الإنسان له التأثير الأعظم في حياته، وله العمل الأقوى في دفعه للفعل، فيكاد يكون أعظم عامل في تصرفات الإنسان، وإليه يعزى معظم مساعيه وأعماله؛ فهو لا يعمل لأجل شهوته الجسدية والتناسلية عشر معشار ما يعمله لأجل حبه للجمال. (5-3) إجمال
صفحه نامشخص