علم أدب النفس: أوليات الفلسفة الأدبية
علم أدب النفس: أوليات الفلسفة الأدبية
ژانرها
الأولى: «الجوع أو الشهوة للغذاء» الجوع دافع من الداخل لطلب الطعام أو السعي إليه، يتحرك من نفسه من غير أن يوجد الطعام ليحركه، فالدافع فطري أو غريزي؛ لأن القوة الحيوانية تقتضيه لنمو الفرد وبقائه إلى أجل، وليس للعقل سلطان مطلق عليه يمكن أن يكبحه أو يردعه إلى حد محدود؛ ولذلك قيل: «الجوع كافر.» وإذا ردعته الإرادة إلى حد الموت - كما صام مكسويني الأرلندي في سجنه إلى أن مات - كان هذا الردع نتيجة قوة خلق آخر تغلبت عليه؛ كحنق مكسويني الشديد على الحكم الإنكليزي الذي سجنه بلا حق، في يقينه.
فالحنق تغلب على الجوع. وهو أمر شاذ نادر؛ فسعي الإنسان إلى الرزق، بل إلى أطايب العيش وأناقته ونعيم الحياة إنما هو مدين في الدرجة الأولى إلى هذا الدافع. الإنسان يسعى إلى ملء بطنه طعاما، فإذا بقيت عنده فضلة من القوة للسعي إلى الرزق؛ بذلها في السعي إلى طيب العيش وملذاته.
الثانية: «الشهوة الجنسية أو التناسلية» وهي كالأولى دافع داخلي غريزي ينبض من نفسه، أو بالأحرى من القوة الحيوية، وإنما يختلف عن النابض الأول بأن غايته استمرار السلالة أو بقاء النوع - كما يقول علماء البيولوجيا - لإبقاء الفرد. وهو يضارع الجوع في تمرده على التعقل والإرادة، وإنما تمرده المطلق لا يفضي إلى موت الفرد، بل إلى انقطاع خيط السلالة عند ذلك الفرد. وبقوة هذا الدافع يجتذب الفرد فردا آخر مخالفا له في الجنسية النسلية. وجميع مساعي الأفراد في الحصول على هذه الجاذبية مدينة لهذه الغريزة؛ فالفرد يبذل مجهودا في التجمل وجميع ضروب الاستقواء، من جمع مال والتوصل إلى الجاه والنفوذ؛ لكي يجتذب إليه قرينا أو قرينة.
1
الثالثة: «العزيمة أو القوة الذاتية التي تحرك أعصاب الجسم وعضلاته للعمل» هي قوة مدخرة في الجهازين العصبي والعضلي نازعة إلى الخروج منهما بأية السبل؛ فالمرء يشعر من نفسه بالميل إلى الحركة والفعل حتى ولو كان ساكن العقل أو قليله أو مختله. تتضح هذه القوة جيدا في الطفل وهو خلو من الوجدان، فلا يكاد يمل الحركة؛ لأن فيه قوة ميالة للظهور.
ونحن لا نفطن لهذه القوة لأننا نراها دائما مؤتمرة بأمر العقل، فننسب تحريكها للعقل. والحقيقة أنها صادرة من نفس المبدأ الحيوي، كما نراها في الطفل، وإنما للعقل سيطرة عليها فيدربها حسب المشيئة. فالحركة خاصة من خواص المبدأ الحيوي؛ ولذلك نراها في الأحياء الدنيا كما نراها في الحيوانات العليا والإنسان. هي خاصة حتمية للحياة، والسكون نذير بالموت؛ لذلك تعد هذه القوة في مقدمة الغرائز وهي أعظمهن وأقواهن، ومنبثة في جميع الجوارح، وهي تدفع الحي للحركة في السعي والعمل.
2 (2-2) تناسب هذه الغرائز
الشهوتان الأوليان عضويتان؛ أي أنهما تختصان بأعضاء معينة لهما، والثالثة شائعة في جميع الأعضاء، وهي تنجز العمل الذي تدفع إليه تانك الشهوتان.
هذه النوابض والأميال الثلاثة تعمل بواسطة الجهازين العصبي والعضلي، والأولان منهما قلما يخضعان لحكم الوجدان، والثالث كثير الخضوع له.
قلنا فيما تقدم: إن الغريزة الأولى تدفع المرء للسعي إلى الرزق مستعينة بالغريزة الثالثة. ولا يخفى عليك أن رزق الإنسان أوسع دائرة من رزق الحيوان الأعجم؛ فالحيوان لا يسعى إلى أكثر من ملء جوفه طعاما إلى حد الشبع، وما يبقى عنده من قوة العزم لا ينفقه في السعي إلى طعام آخر قبل أن يجوع، بل ينفقه في المغازلة وطلب القرين، ثم في اللهو واللعب.
صفحه نامشخص