فقد كان الجندي العثماني يقاتل بشجاعة واطمئنان قتال الحافظ للمثل القائل: «من مات في سبيل وطنه مات شهيدا»، فهو شجاع يعلم أن الموت موت واحد، ولكن عدوه جبان يموت مائة مرة قبل أن يدخل في غمار الحرب. وزيادة على ذلك فهو صبور لدرجة لا تطاق يكتفي بالقليل من الطعام.
تقدم كوبريلي أحمد باشا بهذا الجم الغفير، وكلهم قلب واحد يودون النصر، وكلهم مشتاقون لذلك.
ففي التاسع من شهر نوفمبر سنة 1672 ظهرت طلائع جيش أحمد باشا، فرأتها الحامية التي في الحصن، ولم تكن تزيد عن خمسة آلاف جندي، ليس عندهم من المؤونة إلا ما يكفيهم أياما قلائل.
رأى أولئك الجنود ذلك الجيش الذي سوف يهاجمهم عن قريب، فعولوا على الدفاع إلى آخر نقطة من حياتهم، والموت شرفاء يذكرهم التاريخ بأنهم لم يسلموا وفيهم نقطة دم، بل يذكرهم بأنهم ماتوا دفاعا عن أوطانهم.
فعسكرت جنود أحمد في السهل على مقربة من الحصن، وعولوا على المهاجمة بعد قليل.
وقد باشروا الهجوم على الحصن في صباح العاشر من شهر نوفمبر، فكانت قذائف الأعداء تنهال عليهم كالوابل الهتون، فيثب عزرائيل قابضا روح هذا مستمهلا ذاك، والحي منهم يجعل الميت ترسا يحمي عنه رصاص الحامية وقذائفها، فلم ينتصف النهار حتى كان الأتراك على قاب قوسين أو أدنى من الحصن.
ومن ثم صرخ أولئك الشجعان صياحهم المعروف وقت النصر: «الله أكبر» «الله أكبر» فاهتز الوادي والحصن معا لهذا الصياح المخيف من فم ربع مليون جندي، كل له صوت يدك معقلا.
فكان صياحهم كالقذائف أصابت قلوب البولانديين؛ فهلعوا وصاروا كالجرذان لحقتها السنانير فسكنت أصوات الحامية، ولا غرو؛ فإنهم دافعوا عن الحصن إلى أن خلصت المؤونة.
كان لكل جندي عثماني فأس في حزامه، فأخرجها وتحطمت الأبواب، ودخل الأتراك منتصرين، ثملين بخمرة الفوز عادتهم في كل موقعة.
أما البولانديون فإنهم عمدوا إلى السيوف فأخرجوها من أغمادها واستعدوا للموت.
صفحه نامشخص