تشارلز داروين: حياته وخطاباته (الجزء الأول): مع فصل سيرة ذاتية بقلم تشارلز داروين
تشارلز داروين: حياته وخطاباته (الجزء الأول): مع فصل سيرة ذاتية بقلم تشارلز داروين
ژانرها
عائلة داروين
توضح السجلات الأقدم للعائلة أن أفرادها كانوا من ملاك الأراضي الكبار الذين يعيشون على الحدود الشمالية لمقاطعة لينكنشير، بالقرب من يوركشاير. لقد أصبح الاسم نادرا للغاية في إنجلترا، لكنني أعتقد أنه معروف في أنحاء شيفيلد ولانكشاير. وفي عام 1600، نجد أن الاسم صار يكتب بطرق عدة مثل: درونت ودارون ودارويين وغير ذلك؛ لذا فمن الممكن أن تكون العائلة قد انتقلت في وقت ما غير معلوم من يوركشاير أو كامبرلاند أو ديربيشاير، حيث يوجد نهر يسمى درونت.
إن أول من نعرفه من الأسلاف هو ويليام داروين، وقد كان يعيش في مارتون بالقرب من جينزبوره عام 1500 تقريبا. وورث حفيده الأكبر ريتشارد داروين بعض الأراضي في مارتون وغيرها، وفي وصيته التي يعود تاريخها إلى عام 1584، نجد أنه قد «خصص مبلغا قدره ثلاثة شلنات وأربعة بنسات للمساهمة في دفع النفقات اللازمة لتعليق شعار النبالة الخاص بجلالة الملكة على باب المكان المخصص لجوقة الإنشاد في الكنيسة الرعوية في مارتون.»
يبدو أن ويليام داروين، نجل ريتشارد، والذي وصف بأنه «رجل نبيل»، كان رجلا ناجحا؛ فلقد حافظ على ملكية الأرض التي ورثها من أسلافه، وكذلك حاز ضيعة، عن طريق الشراء ومن خلال زوجته، في كليثام بأبرشية مانتون بالقرب من كيرتون لينزي، واستقر هناك. وظلت هذه الضيعة ملكا للعائلة يتوارثها أجيالها حتى عام 1760. ولم يتبق من أثر هذه الضيعة التي تدعى أولد هول سوى كوخ سميك الجدران وبعض برك الأسماك والأشجار القديمة، ولا يزال بتلك المنطقة حقل يسميه أهلها باسم «حقل داروين الخيري»؛ إذ خصص جزء من عائداته لصالح فقراء مارتون. لا بد أن ما ناله ويليام داروين من ترق في مكانته الاجتماعية يعود الفضل فيه، ولو جزئيا، إلى المنصب الذي كلفه به الملك جيمس الأول عام 1613؛ إذ عينه حارسا بمستودع الأسلحة الملكي في جرينتش. لم يكن المقابل المادي لهذه الوظيفة يزيد عن ثلاثة وثلاثين جنيها في العام، أما الواجبات، فالأرجح أنها كانت شكلية فحسب، وقد احتفظ بهذا المنصب حتى وفاته في أثناء الحروب الأهلية.
إن حقيقة أن ويليام هذا كان موظفا ملكيا قد تفسر لنا السبب في أن ابنه، الذي يسمى ويليام أيضا، قد التحق بخدمة الملك وهو لا يزال صبيا، فانضم إلى فرقة الفرسان التابعة للسير ويليام بيلم، برتبة «ملازم أول». وعند التسريح الجزئي للجيوش الملكية، وتراجع الجزء المتبقي منها إلى اسكتلندا، صادر البرلمان أملاك الصبي، لكنه استعادها مجددا بعد توقيعه على اتفاق «التحالف والعهد»، وبعد أن دفع غرامة لا بد أنها قد أثرت في أوضاعه المالية تأثيرا بالغا؛ ففي الالتماس الذي تقدم به إلى الملك تشارلز الثاني، نجد أنه يتحدث عما حل به من خسارة كبيرة جدا جزاء إخلاصه للقضية الملكية.
وفي أثناء فترة الكومنولث، أصبح ويليام داروين محاميا في جمعية لينكن للحقوق، ولعل ذلك هو ما أفضى إلى زواجه بابنة إيرازموس إيرل، الذي كان محاميا من الدرجة الأولى، والذي أخذ منه حفيده الأكبر، الشاعر إيرازموس داروين، اسمه الأول. وفي النهاية، أصبح قاضيا لمدينة لينكن.
أما الابن الأكبر لهذا القاضي، الذي سمي ويليام هو الآخر، فقد ولد في عام 1655 وتزوج بوريثة روبرت وارينج، الذي هو سليل عائلة جيدة من مقاطعة ستافوردشير. وقد ورثت هذه السيدة من عائلة لاسيلس ضيعة إلستون، التي تقع بالقرب من نيوارك، والتي احتفظت العائلة بملكيتها منذ ذلك الوقت. (تولى النقيب لاسيلس من إلستون، منصب كبير مساعدي منك، دوق ألبيمارل، خلال الحروب الأهلية.) إن ابن عمي فرانسيس داروين، يمتلك الآن مجموعة كبيرة من دفاتر الحسابات الممهورة في أماكن عديدة بتوقيع منك. وقد تكون لهذه الدفاتر أهمية خاصة لدى خبراء الأثريات أو المؤرخين، وهي تتضمن صورة شخصية للنقيب لاسيلس، مرتديا زيه العسكري، وهي التي كانت لا تزال بحالة جيدة بالرغم من أن صبيان عائلتنا كانوا يستخدمونها في وقت من الأوقات، كهدف للتدريب على الرماية. ويبدو ويليام داروين في هذه الصورة الشخصية وهو في إلستون، شابا حسن المظهر يرتدي شعرا مستعارا طويلا.
كان لويليام الثالث هذا ولدان، وهما ويليام وروبرت الذي تلقى تعليمه ليصبح محاميا. ورث ويليام ضيعة كليثام، غير أنه قد انقطع نسله من الورثة؛ إذ إنه لم ينجب سوى البنات، وآلت إلى أخيه الأصغر، الذي حصل على ضيعة إلستون كذلك. وعند وفاة والدته، تخلى روبرت عن مهنته واستقر بعد ذلك في ضيعة إلستون هول. وعن روبرت هذا، يكتب تشارلز داروين (ما يلي مقتبس من السيرة الذاتية التي كتبها تشارلز داروين عن جده، كإعلان أولي عن المقال الشائق الذي كتبه إرنست كراوز بعنوان «إيرازموس داروين»، لندن، 1879، صفحة 4): «يبدو أنه كان مهتما بالعلوم؛ فقد كان من الأعضاء الأوائل في نادي سبولدينج الشهير. وقد كتب عنه خبير الآثار المرموق، الدكتور ستوكلي، في كتابه «تقرير عن الهيكل العظمي شبه الكامل لحيوان كبير ...» الذي نشره على أجزاء في مجلة «فيلوسوفيكال ترانزاكشنز» على مدى أبريل ومايو عام 1719؛ فهو يبدأ كتابه بما يلي: «لقد عرفت من صديقي روبرت داروين، المحامي بجمعية لينكن للحقوق، وهو رجل تواق إلى المعرفة، بوجود هيكل عظمي بشري متحجر، عثر عليه كاهن إلستون مؤخرا ...» ويتحدث ستوكلي بعد ذلك عن هذا الهيكل على أنه اكتشاف نادر وعظيم للغاية، فيكتب: «لم أسمع قط عن مثيل له قد اكتشف من قبل في هذه الجزيرة.» وبناء على إحدى الصلوات التي كتبها روبرت وتناقلتها العائلة من بعده، يبدو لنا أنه كان من أشد المناصرين للاعتدال في الشراب، الذي قد ظل ولده من أشد المناصرين له طوال حياته كذلك:
من صباح لا يشرق بالنور،
ومن ابن يشرب النبيذ،
صفحه نامشخص