تشارلز داروين: حياته وخطاباته (الجزء الأول): مع فصل سيرة ذاتية بقلم تشارلز داروين
تشارلز داروين: حياته وخطاباته (الجزء الأول): مع فصل سيرة ذاتية بقلم تشارلز داروين
ژانرها
وقد ثبت أن قراري هذا كان حكيما؛ فمنذ ظهور كتابي، ظهر عدد هائل من الأوراق البحثية والأعمال المنفصلة عن تلقيح جميع أنواع الزهور، وقد كانت هذه الأعمال أفضل كثيرا مما كان من الممكن أن أقدمه في عملي. وها قد عرفت الآن جدارة سبرينجل المسكين العجوز بعد موته بسنوات عديدة، وذلك بعد فترة طويلة من التجاهل.
خلال السنة نفسها، نشرت في دورية «جورنال أوف ذا لينيان سوسايتي» ورقة بحثية بعنوان «عن شكلي زهرة الربيع، أو الحالة ثنائية الشكل لها»، وكذلك نشرت على مدى السنوات الخمس التي تليها، خمس ورقات بحثية أخرى عن النباتات الثنائية الشكل والنباتات الثلاثية الشكل. وأنا لا أعتقد أن أي شيء قمت به على مدى حياتي العلمية بأكملها قد منحني هذا القدر الكبير من الرضا الذي منحني إياه التوصل إلى تركيب هذه النباتات. كنت قد لاحظت في عام 1838 أو 1839، ثنائية شكل زهرة الكتان الأصفر، وقد حسبت في البداية أنها مجرد حالة مختلفة لا معنى لها. لكن عند دراسة الأنواع الشائعة من زهرة الربيع، وجدت أن الشكلين كانا على درجة كبيرة من الشيوع والثبات، بما لا يسمح بالنظر إليهما بهذه الطريقة؛ ولهذا، فقد أصبحت مقتنعا بدرجة كبيرة بأن زهرة الربيع العطري وزهرة الربيع الشائعة في طريقهما إلى أن تصبحا منفصلتي الجنس؛ فقد كانت المدقة القصيرة في الشكل الأول والسداة القصيرة في الشكل الآخر، تتجهان إلى الإجهاض، ووفقا لهذه الرؤية، تكون النباتات معرضة لمحنة. بالرغم من ذلك، فحالما لقحت الزهور ذات المدقات القصيرة بحبوب اللقاح من الزهور ذات الأسدية القصيرة، اتضح أن ذلك ينتج عددا من البذور أكبر مما ينتجه غيرها من الاتحادات المحتملة الأربعة؛ ومن ثم، فقد تحطمت نظرية الإجهاض تماما. وبعد المزيد من التجارب، اتضح أن درجة القرابة التي تربط بين الشكلين، بالرغم من أنهما كانا خنثويين تماما، هي درجة القرابة نفسها التي تربط بين أي زوج متغاير الجنس من الحيوانات المعتادة. ولنا في جنس الخثري
Lythrum
مثال أكثر روعة لحالة نجد فيها ثلاثة أشكال يحمل كل منها للآخر درجة القرابة نفسها. وقد اكتشفت بعد ذلك أن الذرية التي تنتج عن اتحاد اثنين من النباتات التابعة للأشكال نفسها، تمثل تشابها غريبا وقريبا مع الهجائن الناتجة عن اتحاد نوعين متباينين.
في خريف عام 1864، انتهيت من ورقة بحثية طويلة عن «النباتات المتسلقة»، وأرسلتها إلى الجمعية اللينية. وقد استغرقت مني كتابة هذه الورقة أربعة شهور، لكنني كنت مريضا للغاية حين تلقيت بروفات الطباعة، فاضطررت إلى أن أتركها على حال سيئة، وبما يشوبها من غموض في معظم الأجزاء. لم تحظ الورقة بقدر كبير من الانتباه، لكنها قد حققت مبيعات جيدة بعد تحريرها جيدا ونشرها ككتاب منفصل في عام 1875. وقد دفعني إلى الاهتمام بهذا الموضوع ورقة بحثية قصيرة لآسا جراي نشرت في عام 1858 كنت قد قرأتها. وقد أرسل إلي جراي بعض البذور، ومع زراعة النباتات، أصبحت منبهرا وحائرا للغاية إزاء تلك الحركات الالتفافية للمحالق والسيقان؛ وقد كانت هذه الحركات بسيطة جدا في واقع الأمر، رغم أنها تبدو للوهلة الأولى معقدة للغاية، حتى إنني قد حصلت على المزيد من النباتات المتسلقة لكي أدرس الموضوع بأكمله. وقد ازداد اهتمامي بالموضوع بدرجة كبيرة ؛ إذ إنني لم أكتف على الإطلاق بالتفسير الذي قدمه هنزلو في محاضراته عن النباتات الملتفة، والذي يرى أن هذه النباتات تميل تلقائيا إلى أن تنمو على نحو لولبي. وقد ثبت أن هذا التفسير خاطئ تماما؛ إذ إن بعض أساليب التكيف التي نشهدها في النباتات المتسلقة لا تقل جمالا عن تلك التي تتبناها السحلبيات لضمان حدوث التلقيح المتبادل.
كما ذكرت سابقا، فإنني كنت قد بدأت في كتابي «تباين الحيوانات والنباتات تحت تأثير التدجين» في بداية عام 1860، لكنه لم ينشر حتى بداية عام 1868. لقد كان كتابا ضخما وقد استغرق مني أربع سنوات وشهرين من العمل الشاق. وقد طرحت فيه جميع ملاحظاتي وعددا كبيرا من الحقائق التي جمعتها من مصادر متعددة عن إنتاجنا عن طريق التدجين. وقد تناولت في الجزء الثاني الأسباب والقوانين الخاصة بالتباين والوراثة وغير ذلك، بالقدر الذي تسمح به معرفتنا الحالية. وقرب نهاية العمل، قدمت فرضيتي عن شمولية التكوين، وهي التي أسيء التعامل معها. إن الفرضية التي لا تثبت صحتها ليست لها قيمة كبيرة، وقد تكون عديمة القيمة تماما، لكن إذ جمع شخص بعد ذلك ملاحظات تؤكد صحة هذه الفرضية، فإنني سأكون بذلك قد قدمت خدمة كبيرة؛ فحينها سنتمكن من الربط بين عدد مذهل من الحقائق المنفصلة لتصبح واضحة ومفهومة. وفي عام 1875، ظهر من هذا الكتاب طبعة ثانية ومنقحة على نحو كبير، وهو ما كلفني قدرا كبيرا من العمل الشاق.
في فبراير من عام 1871، نشر كتابي «نشأة الإنسان»؛ ففور أن أصبحت مقتنعا في عام 1837 أو 1838 أن الأنواع الحية يمكن أن تتغير، لم أستطع أن أتجنب الاعتقاد بأن الإنسان كذلك لا بد أنه يخضع إلى هذا القانون. وبناء على ذلك، بدأت في جمع ملاحظات عن الموضوع لإشباع رغبتي في المعرفة فحسب دون أي نية للنشر، غير أن ذلك لم يستمر لوقت طويل. وبالرغم من أن كتاب «أصل الأنواع» لا يناقش نشوء أي نوع محدد من الأنواع الحية، فقد رأيت أنه من الأفضل أن أضيف فيه أنه من خلال هذا العمل «سيلقى الضوء على نشأة الإنسان وتاريخه»، وذلك لئلا يتهمني أي رجل فاضل بإخفاء آرائي. وعلاوة على ذلك، فإن تناول الموضوع دون الإشارة إلى اعتقادي بخصوص نشأة الإنسان، كان سيصبح أمرا عقيما يضر بنجاح الكتاب.
لكن حين وجدت أن العديد من علماء التاريخ الطبيعي قد تقبلوا نظرية تطور الأنواع الحية بنحو كامل، رأيت أنه من الأفضل أن أواصل العمل على الملاحظات التي أمتلكها، وأن أنشر بحثا خاصا عن أصل الإنسان ونشأته. وقد كنت سعيدا للغاية بالقيام بذلك؛ إذ أتيحت لي الفرصة في مناقشة الانتقاء الجنسي بنحو كامل، وهو موضوع لطالما كان يثير اهتمامي بدرجة كبيرة. إن هذا الموضوع، وكذلك الخاص بتباين إنتاجنا الداجن، مع الأسباب والقوانين التي تحكم تباين الأنواع الحية الناتجة في ظروف التدجين، وكذلك الوراثة، والتلقيح المتبادل في النباتات، هي الموضوعات الوحيدة التي تمكنت من الكتابة فيها بنحو كامل لكي أستخدم جميع المواد العلمية التي جمعتها. لقد استغرق مني كتاب «نشأة الإنسان» ثلاثة أعوام في كتابته، لكن جزءا من هذا الوقت قد ضيع علي كالعادة نظرا لاعتلال صحتي، وكذلك قد أنفقت بعضه في الإعداد لطبعات جديدة من كتبي وبعض الأعمال الصغيرة الأخرى. وقد ظهرت طبعة ثانية ومنقحة على نحو كبير من كتاب «نشأة الإنسان» عام 1874.
نشر كتابي عن «التعبير عن الانفعالات في الإنسان والحيوان» في خريف عام 1872، وقد كانت نيتي أن أخصص للموضوع فصلا في كتاب «نشأة الإنسان»، لكن حالما بدأت في تجميع ملاحظاتي معا، رأيت أنها ستستلزم كتابا مستقلا.
ولد طفلي الأول في السابع والعشرين من ديسمبر عام 1839، وقد بدأت على الفور منذ أول فجر له في هذه الحياة، في تدوين ملاحظات عن جميع ما يبديه من انفعالات؛ فحتى في هذه الفترة المبكرة كنت مقتنعا بأن جميع الانفعالات بكل أشكالها الأعقد والأدق، لا بد أن لها أصلا طبيعيا قد نشأت منه بالتدريج. وفي صيف العام التالي، 1840، قرأت العمل الرائع الذي أنجزه السير سي بيل عن التعبير عن الانفعالات، وقد زاد ذلك من اهتمامي بالموضوع بدرجة كبيرة، غير أنني لم أوافقه الرأي على الإطلاق في اعتقاده بأن العديد من العضلات قد صممت خصيصا للتعبير عن الانفعالات. وابتداء من هذا الوقت، ظللت مهتما بالموضوع، أبحث فيه بين الحين والآخر، فيما يتعلق بالإنسان والحيوانات المدجنة كذلك. وقد حقق الكتاب مبيعات جيدة؛ فقد بيعت منه 5267 نسخة في يوم النشر.
صفحه نامشخص