عزاء الفلسفة

عادل مصطفى d. 1450 AH
215

عزاء الفلسفة

عزاء الفلسفة

ژانرها

لم يكن بد في هذه الظروف المشتبكة من أن يسقط بوئثيوس في فخاخ المكائد السياسية، فقد كان رجل مبدأ ولم يكن داهية أو سياسيا بالغريزة، وقد اكتسب في زمن ازدهاره عداوة رجال البلاط، وحانت الفرصة لهؤلاء كي ينتقموا منه ويوغروا ضده صدر تيودوريك الذي كان مغضبا من الأصل بسبب تردي موقفه وتجدد اضطهاد الأريانيين في الشرق، سعى أعداء بوئثيوس بالدس والوقيعة، وأبلغوا تيودوريك بأن أحد أعضاء مجلس الشيوخ، وهو ألبينوس، على صلة سرية بالساسة في القسطنطينية، وهب بوئثيوس للدفاع عن ألبينوس دون أن يخطر بباله أن التهمة يمكن أن تطاله، قام أعداء بوئثيوس بتلفيق الأدلة التي تثبت خيانته، ودعموها، إذ بدت واهية غير كافية، بتهمة ممارسة السحر! وجندوا في كل ذلك شهود الزور.

فقد تيودوريك ما عرف عنه من الحكمة والتروي، وأمر بالقبض على بوئثيوس والإلقاء به في سجن بافيا، وأوعز إلى مجلس الشيوخ، المروع بملك مسن محبط متوجس، بالتصديق على حكم الإعدام الذي أصدره، وسواء أصحت التهمة أم لم تصح، فلم يقم عليها أي دليل حتى الآن، فقد أعدم بوئثيوس عام 524م (وقيل 525م، وقيل 526م) بالقرب من مدينة ميلانو، بعد فترة سجن امتدت شهورا، وقد تم الإعدام بأن عذب لفترة طويلة بحبل يلف حول جبهته بشدة حتى تجحظ عيناه، وقتل في النهاية بهراوة، ودفن في كنيسة سان بييترو أو القديس بطرس، وفي الفترة التي تفصل بين سجنه وإعدامه (والتي امتدت ستة أشهر، وقيل سنة) كتب بوئثيوس «عزاء الفلسفة» (أو «في التعزية بالفلسفة» أو «في مواساة الفلسفة»

De Consolatione Philosophiae ) يلتمس فيه مواساة الفلسفة ويعلو فوق محنته.

في كتابه «تاريخ الحروب»، الجزء الخامس، يقول المؤرخ البيزنطي بروكوبيوس، الذي عاصر الأحداث: «كان سيماخوس وزوج ابنته بوئثيوس ينحدران من أصل نبيل وعريق، كانا قنصلين وتصدرا مجلس الشيوخ، مارسا الفلسفة وكرسا نفسيهما للعدل واستخدما ثروتهما لتفريج كربة الغريب والقريب، فحظيا بمجد أوغر صدور أعدائهما، فزينوا الكذب والبهتان ضدهما لتيودوريك، فصدقهم وحكم عليهما بالموت بتهمة التآمر، وصادر أموالهما، وحين كان تيودوريك على مائدة طعامه بعد ذلك بأيام قليلة قدم إليه خدمه رأس سمكة كبيرة، بدا رأس السمكة لتيودوريك هو رأس سيماخوس مذبوحا لتوه، كانت أسنانها الناتئة من شفتها السفلى وعيناها المحدقتان إليه في رعب مسعور تضفي عليها مظهرا يطفح بالوعيد، ارتعد تيودوريك لهذا النذير المرعب وهرع إلى فراشه، وأمر خدمه أن يراكموا فوقه الأغطية، فهدأ برهة غير أنه أفضى بعد ذلك لطبيبه إلبيديوس بكل ما حدث، وبكى لما ارتكبه في حق سيماخوس وبوئثيوس، ولم يدم أسفه وندمه طويلا فقد مات بعد ذلك بفترة وجيزة، وكان هذا الفعل هو الظلم الأول والأخير الذي ارتكبه في حق رعاياه، ذلك أنه لم يقم في هذه الحالة بما دأب عليه من التحقق والتمحيص قبل أن يصدر حكما.»

في 15 ديسمبر عام 1883م أقر المجمع المقدس للمذاهب، بالاتفاق مع أسقف بافيا، العيد المحلي للقديس سيفيرينوس بوئثيوس، والحق أن هذا التقديس يعود إلى القرن التاسع على أقل تقدير، وإن لم يشتهر أمره حتى القرن الثالث عشر عندما علم دانتي بقبر بوئثيوس في كنيسة سان بييترو في بافيا.

2

الجنس الأدبي1 في «عزاء الفلسفة»

العزاء

consolatio

جنس كتابي قديم، يندرج ضمن المقال النقدي، وينتمي في العالم اليوناني والروماني إلى مجال الفلسفة بصفة خاصة، وقد تبنته جميع المدارس الفلسفية، وفي زمن سينيكا

صفحه نامشخص