ف : «إذن عندما يتلقى الأشرار عقابا إنما يتلقون خيرا ما - وهو العقاب، الذي هو خير؛ لأنه عدل. أما إذا مضوا دون عقاب فإنهم إنما يكسبون بإفلاتهم شرا مضافا، ولقد وافقت على أنه شر، لأنه غير عدل.»
ب : «لا يسعني إنكار ذلك.»
ف : «إذن فالأشرار أكثر تعسا بكثير حين يتاح لهم الإفلات، منهم حين يفرض عليهم الجزاء العدل.»
ب : «إنه ترتب منطقي على النتيجة السابقة، ولكني أسأل: ألا تتركين أي عقاب للروح إلى ما بعد فناء الجسد؟»
ف : «هنالك حقا عقاب عظيم، منه ما يوقع عليهم بقسوة عقابية، ومنه، فيما أعتقد، ما يوقع برحمة تطهيرية، ولكني لا أريد أن أخوض في ذلك الآن.
1
لقد اقتفيت الحجة حتى الآن بالقدر الذي يسمح لك أن ترى أن قوة الأشرار، التي بدت لك غير مستحقة، هي في الحقيقة لا شيء، وأن ترى أن أولئك الأشرار الذين تأسى لإفلاتهم لا يعدمون العقاب أبدا على إثمهم، وأن تعرف أن طغيانهم الذي كنت تدعو بأن يعجل بكفه لا يدوم طويلا، وأنهم يكونون أتعس حالا ما دام طغيانهم، وأخيرا أن الأشرار يكونون أكثر بؤسا إذا برأت ساحتهم منهم إذا لقوا جزاءهم العدل، ويترتب على هذه الحقيقة أنهم يبهظون بعقاب أثقل، بالضبط عندما يظن أنهم نجوا من العقاب!»
ب : «عندما أنظر في حججك أراها أوجه ما يمكن أن يقال، ولكني حين أتحول إلى آراء عامة الناس أسائل نفسي: من ذا الذي يمكنه أن يفكر في ذلك، ناهيك بأن يصدقه؟»
ف : «حقا! إن أعينهم اعتادت الظلام، فلا يستطيعون رفعها إلى ضياء الحقيقة الواضحة، فما أشبههم بالطيور التي يحتد بصرها بالليل ويعمى بالنهار، وما داموا لا ينظرون إلى المسار الحق للأشياء بل إلى مشاعرهم ذاتها، فإنهم يظنون أن حرية الفجور والإفلات من العقاب هي أشياء سعيدة، ولكن انظر إلى ما يمليه القانون الأبدي: إذا كنت قد صغت روحك على ما هو أسمى فلا حاجة بك إلى حكم ليهبك جائزة، فأنت نفسك من دفعت حالك إلى الامتياز وأضفت نفسك إلى عداد الممتازين، ولكن إذا كنت قد تدنيت بها إلى الوضاعات فلا تبحث عن عقاب من الخارج، إنك أنت من أسففت وتبذلت ونزلت بها إلى أسفل سافلين، لكأنك في ذلك تنظر على التوالي إلى السماء وإلى قذر الأرض، وتضرب صفحا عن كل ما حولك، فبمجرد النظر ستبدو مرة سائخا في الطين ومرة محلقا بين النجوم، ولكن عامة الناس لا يلتفتون إلى هذه الأشياء.
ماذا نفعل إذن، هل نمشي في ركاب هؤلاء الناس الذين تبين لنا أنهم كالأنعام؟ أرأيت إلى رجل فقد بصره تماما ونسي حتى إنه كان يوما مبصرا، وظن هنالك أن لديه كل الكمال البشري، أترانا نحن المبصرين نظن ظنه؟
صفحه نامشخص