169

العواصم والقواصم في الذب عن سنة أبي القاسم

العواصم والقواصم في الذب عن سنة أبي القاسم

ویرایشگر

شعيب الأرنؤوط

ناشر

مؤسسة الرسالة للطباعة والنشر والتوزيع

ویراست

الثالثة

سال انتشار

١٤١٥ هـ - ١٩٩٤ م

محل انتشار

بيروت

وذلك أَن لفظ كتاب الله تعالى: ﴿لا جُنَاحَ عليكم﴾ [البقرة: ٢٣٦] كما تقدم بيانه. والجُناح: هو الإثم في اللغة. وكذا قوله: ﴿رَبَّنَا لَا تُؤَاخِذْنَا إِنْ نَسِينَا أَوْ أَخْطَأْنَا﴾ [البقرة: ٢٨٦] في كون شرط التعمد، حيث ورد. وإنما وَرد قيدًا في الوعيد، وهذه أصرحُ الآيات، وبقية الآيات كالشواهد لها، ثم هو القَدَرُ المتحقق.
وتخصيصُ -هؤلاء الخوارج- بعدم العفو في الآخرة، مثلُ تخصيص المخطىء من اليهود والنصارى.
والوجه فيه أن الله تعالى أقام عليهم الحُجَّة، وعَلِمَ منهم التعمد -ولو في بعض الأوقات-: إما في الابتداء، ثم عاقبهم، وسلبهم الطاقة، كقوله: ﴿كَمَا لَمْ يُؤْمِنُوا بِهِ أَوَّلَ مَرَّةٍ﴾ [الأنعام: ١١٠]، وإما في أثناء المناظرة والنظر، يدُلُّ على ذلك قوله تعالى: ﴿وَمَا اخْتَلَفَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ إِلَّا مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَهُمُ الْعِلْمُ بَغْيًا بَيْنَهُمْ وَمَنْ يَكْفُرْ بِآَيَاتِ اللَّهِ فَإِنَّ اللَّهَ سَرِيعُ الْحِسَابِ﴾ [آل عمران: ١٩]. وقوله: ﴿بَلِ الْإِنْسَانُ عَلَى نَفْسِهِ بَصِيرَةٌ (١٤) وَلَوْ أَلْقَى مَعَاذِيرَهُ﴾ [القيامة: ١٤ - ١٥] وقوله -في بعضهم، بعد ذكر الآيات-: ﴿جَحَدُوا بِهَا وَاسْتَيْقَنَتْهَا أَنْفُسُهُمْ﴾ [النمل: ١٤]. وقوله -في آخرين-: ﴿فَإِنَّهُمْ لَا يُكَذِّبُونَكَ وَلَكِنَّ الظَّالِمِينَ بِآَيَاتِ اللَّهِ يَجْحَدُونَ﴾ [الأنعام: ٣٣]. قُرِىءَ: " يكذبونك " بالتشديد والتخفيف معًا (١).

(١) قرأ نافع والكسائي: ﴿يكْذبُونك﴾ بالتخفيف وتسكين الكاف، والمعنى: لا يُلْفُونَكَ كاذبًا، أو لا يُكَذِّبون الشيء الذي جئت به، إنما يجحدون آيات الله ويتعرضون لعقوباته، وقرأ ابن كثير وأبو عمرو وعاصم وحمزة وابن عامر: ﴿يُكذِّبُونَكَ﴾ بالتشديد وفتح الكاف، قال ابن عباس: لا يسمونك كذابًا، ولكنهم ينكرون آيات الله بألسنتهم، وقلوبهم موقنة أنها من عند الله، انظر " حجة القراءات " ٢٤٦ - ٢٤٩ و" زاد المسير " ٣/ ٢٨ - ٣٠.

1 / 199