أذناي مستطيلتان بارزتان إلى الجهة الوحشية، وهكذا كان برونر وسرفانتي.
وجنتاي بارزتان، وخداي ضامرتان، وهكذا كان لافيات، ولنكلن.
ذقني متقاهر إلى الوراء، وهكذا كان غولد سمث، ووليم بت.
كتفاي متباينان؛ فالواحد يعلو على الآخر، وهكذا كان غمبتا، وأديب إسحق.
يداي ثخينتا الكفين، قصيرتا الأصابع، وهكذا كان بلبك، ودانتون.
وبالإجمال جسدي ضعيف نحيل، وهذا شأن أكثر المفكرين الذين تتعب أجسادهم في مرامي نفوسهم، ومن الغريب أني لا أستطيع الجلوس كاتبا، أو مطالعا، إلا وبجانبي إبريق القهوة مثلما كان يفعل بلزك. وفوق ذلك فلي ميل إلى معاشرة الرعاع والبسطاء كتولستوي، ومكسيم غوركي. وقد يمر اليوم، واليومان دون أن أغسل وجهي ويدي، وهكذا كان بيتهوفن، وولت، وتمن. وللعجب أني أستريح لسماع أخبار النساء، وما يفعلنه في غياب أزواجهن كبوكاشيو، وريبالي. أما عطشي إلى الخمرة فيضارع عطش نوح، وأبي نواس، ودي موسه، ومارلو. وأما مجاعتي للمآكل الشهية، والموائد المرصوفة بالألوان المتنوعة فتقارن نهم بطرس الأكبر، والأمير بشار الشهابي.
ووقف سليم أفندي دقيقة عن مخاطبة نفسه، ثم لمس جبهته بأطراف بنانه، وزاد قائلا: هذا أنا، هذه هي حقيقتي، فأنا مجموع صفات كان حائزا عليها أعاظم الرجال من بدء التاريخ إلى يومنا هذا، وفتى جامع لهذه المزايا لا بد أن يفعل شيئا عظيما في هذا العالم. «رأس الحكمة معرفة الذات، وأنا قد عرفت نفسي في هذه الليلة، ومنذ الليلة سأبتدئ بالعمل العظيم الذي انتدبتني إليه فكرة هذا العالم بوضعها في أعماق عناصر متعددة متباينة، رافقت عظماء البشر من نوح، إلى سقراط، إلى بوكاشيو، إلى أحمد فارس الشدياق، أنا لا أدري ما هو العمل العظيم الذي سأقوم به، ولكن رجلا جمع في شخصه الهيولي وذاته المعنوية ما أنا جامع له من معجزات الأيام، ومبتكرات الليالي ... لقد عرفت نفسي نعم، والآلهة قد عرفت نفسي فلتحي نفسي، ولتعيش ذاتي، وليبقى الكون كونا حتى تتم أعمالي».
ومشى سليم أفندي في تلك الغرفة ذهابا وإيابا، وسيماء البشر على سحنته القبيحة، وهو يردد بصوت يأتلف بنبراته مواء القطط بقلقلة العظام بيت أبي العلاء القائل:
أنا وإن كنت الأخير زمانه
لآت بما لم تستطعه الأوائل
صفحه نامشخص