وماذا عسى تصير إليه بلادكم وبلادي؟ وأي من الجبابرة يضع يده على تلك التلال والهضبات التي أنبتتنا، وصيرتنا رجالا، ونساء أمام وجه الشمس؟
هل تبقى سورية مطروحة بين مغائر الذئاب، وحظائر الخنازير، أو يا ترى تنتقل مع العاصفة إلى عرين الأسد، أو ذروات النسر؟
وهل يطلع الفجر فوق قمم لبنان؟
كلما خلوت بنفسي أطرح عليها هذه السؤالات، غير أن النفس كالقضاء تبصر، ولا تتكلم وتسير، ولكنها لا تلتفت، فهي ذات عيون تتجلى، وأقدام تتسارع، أما لسانها فثقيل.
ومن منكم أيها الناس، لم يسأل نفسه في كل يوم وليلة عن مصير الأرض، وسكانها بعد أن تختمر الجبابرة من دموع الأرامل والأيتام؟
أنا من القائلين بسنة النشوء والارتقاء، وفي عرفي أن هذه السنة تتناول بمفاعيلها الكيانات المعنوية بتناولها الكائنات المحسوسة، فتنتقل بالأديان، والحكومات من الحسن إلى الأحسن، انتقالها بالمخلوقات كافة من المناسب إلى الأنسب، فلا رجوع إلى الوراء إلا في الظاهر، ولا انحطاط إلا في السطحي.
ولسنة الارتقاء سبل متشعبة يتفرع بعضها من بعض، ولكنها متلازمة الأصول ، ومظاهر قاسية ظالمة مظلمة تنكرها الأفكار المحدودة، وتتمرد عليها القلوب الضعيفة، أما خفاياها فعادلة منيرة متمسكة بحق أسمى من حقوق الأفراد، محدقة بغرض أعلى من مرام الجماعة، مصغية إلى صوت يغمر بهوله، وعذوبته تنهدات المنكوبين، وغصات المتوجعين.
حولي بكل مكان أقزام يرون عن بعد أشباح الجبابرة متناضلين، ويسمعون في المنام صدى تهاليلهم، فيضجعون كالضفادع قائلين: قد رجع العالم في فطرية الوضيعه، فما بنته الأجيال بالعلم والفن قد هدمه الإنسان الوحشي بالطمع والأنانية، فحالنا اليوم حال سكان الكهوف، ولا يميزنا عنهم سوى آلات نبتدعها للدمار، وحين نستخدمها للهلاك؟
هذا ما يقوله هؤلاء الذين يقيسون ضمير العالم بمقياس ضمائرهم، ويحللون مراد الوجود بالفكرة القصيرة التي يستخدمونها؛ لحفظ وجودهم الفردي، فكأن الشمس لم تكن إلا لتدفئتهم، وكأن البحر لم يوجد إلا لغسل أرجلهم. •••
من أحشاء الحياة، من وراء المرئيات، من أعماق السكون المدبر حيث تصان أسرار الكون المدبر، قد انبثق الجبابرة كالريح، وتصاعدوا كالغيوم، ثم تلاقوا كالجبال، وهم الآن يتصارعون ليحلوا مشكلة في الأرض لا يحلها غير الصراع.
صفحه نامشخص