قد تمسكت بأذيالك، وسرت ورائك كطفل يلاحق أمه، متناسيا ما بي من الأحلام، محدقا بما فيك من الجمال، متعاميا عن مواكب الأشباح المتطايرة حول رأسي، مجذوبا بالقوة الخفية الكامنة في جسدك.
قفي بي هنيهة، لأرى وجهك، انظري إلي دقيقة لعلي أرى في عينيك أسرار صدرك، وأفهم من ملامحك مخبآت نفسك.
قفي قليلا أيتها الجنية، فقد مللت المسير، وارتعدت روحي من مخاوف الطريق قفي، فقد بلغنا ملتقى السبل حيث يعانق الموت الحياة، ولن أسير خطوة أخرى حتى تستعلن روحي نيات روحك، ويستوضح قلبي خزائن قلبك. •••
اسمعي أيتها الجنية الساحرة: كنت بالأمس طائرا حرا، أتنقل بين السواق، وأسبح في الفضاء، وأجلس على أطراف الغصون عند المساء متأملا بالقصور والهياكل في مدينة الغيوم المتلونة التي تبقيها عند الأصيل وتهدمها قبل الغروب.
بلى، كنت كالفكر أسير منفردا في مشارق الأرض ومغاربها، فرحا بمحاسن الحياة وملذاتها، مستقصيا خفايا الوجود وأسراره.
بل كنت كالحلم أسعى تحت جنح الليل، وأدخل من شقوق النوافذ إلى خدور العذارى النائمات، وأتلاعب بعواطفهن، ثم أقف بجانب أسرة الفتيان، وأثير أميالهم، ثم أجلس بقرب مضاجع االشيوخ، وأستجلي أفكارهم.
واليوم وقد لقيتك أيتها الساحرة، وتسممت بقبل يديك، فقد أصبحت مثل أسير أجر قيودي إلى حيث لا أدري، بل إني صرت مثل نشوان أستزيد من الخمر التي سلبتني إرادتي، وألثم الكف التي صفعت وجهي .
ولكن قفي قليلا أيتها الساحرة، فها قد استرجعت قواي، وكسرت القيود التي برت قدمي، وسحقت الكأس التي شربت منها السم الذي استطيبته، فماذا تريدين أن نفعل، وعلى أي طريق تريدين أن نسير؟
قد استرديت حريتي، فهل ترضين بي رفيقا حرا «ويحدق بوجه الشمس بأجفان جامدة، ويقبض على النار بأصابع غير مرتعشة؟».
قد فتحت جناحي ثانية، فهل تصحبين فتي يصرف الأيام متنقلا كالنسر بين الجبال، ويقضي الليالي رابضا كالأسد في الصحراء؟
صفحه نامشخص