============================================================
وفى قوله تعالى: ل (ما زاغ البصر وما طغى) وجه آخر ألطف مما سبق: ما زاغ البصر، حيث لم يتخلف عن البصيرة ولم يتقاصر، وما طغى، لم يسبق البصر البصيرة فيتجاوز حده ويتعدى مقامه، بل استقام البصر مع البصيرة، والظاهر مح الباطن، والقلب مع القالب، والنظر مع القدم، ففى تقدم النظر على القدم طغيان، والمعنى بالنظر علم، وبالقدم حال القالب، فلم يتقدم النظر على القدم فيكون طغيائا، ولم يتخلف القدم عن النظر فيكون تقصيرا، قلما اعتدلت الأحوال وصار قلبه كقالبه وقاليه كقلبه، وظاهره كباطنه وباطنه كظاهره، وبصره كبصيرته وبصيرته كبصره، فحيث اثتهى نظره وعلمه قارنه قدمه وحاله، ولهذا المعنى اتعكس حكم معناه ونوره غلى ظاهره وأتى البراق ينتهى خطوه حيث ينتهى نظره، لا يتخلف قدم البراق عن موضع نظره كما جاء فى حديث المعراج، فكان البراق يقالبه مشاكلا لمعناه ومتصفا بصفته لقوة حاله ومعناه.
وأشار فى حديث المعراج إلى مقامات الأنبياء ورأى فى كل سماء بعض الأنبياء إشارة الى تعويقهم وتخلفهم عن شاوه ودرجته، ورأى موسى فى بعض السموات فمن هو فى بعض السموات يكون قوله: ( أرنى آنظر إليك) تجاوزا عن حد القدم، وتخلفا للقدم عن النظر، وهذا هو الإخلال بأخد الوصفين من قوله : ((ما زاغ البصر وما طغى) فرسول الله حمل مقترئا قدمه ونظره فى حجال الحياء والتواضع، ناظرا الى قدمه، قادما على نظره، ولو خرج جن حجال الحياء والتواضع وتطاول بالنظر متعديا حد القدم تعوق فى بعض السموات كتموق غيره من الأنبياء، قلم يزل، متجلس (1) حجاله فى خفارة أدب حاله حتى خرق حجب السموات فانصبت إليه أقسام القرب انصبايا، وانقشعت عنه سحائب الحجب حجائا حجايا حتى استقام على صراط (ما زاع البصر وما طفى فمر كالبرق الخاطف إلى مخدع الوصل واللطائف، وهذا غاية فى الأدب ونهاية فى الأدب.
قال أبو محمد بن رويم، حين سئل عن أدب المساف، فقال: لا يجاوز همه قدمه، فحيث وقف قلبه يكون مقره.
أخبرنا شيخنا ضياء الدين أبو النجيب إجازة، قال: أخبرنا عمر بن أحمد، قال: أخبرنا أيو بكر بن خلف قال: أخبرنا أبو عبد الرحمن السلمى قال: حدثثا القاضى أبو محمد يحيى بن منصور قال: حدثثا أبو عبد الله محمد بن على الترهذى قال: حدثثا محمد بن رزام الأيلى قال: حدثنا محمد بن عطاء الهجيمى قال: حدثنا محمد بن نصير، (1) متكلف: يقال تجلس إذا تكلف الجلوس، والحجال: القيد.
صفحه ۱۰۳