وهذا هو السبب في أمر النبي بقلع نخلة سمرة، حيث إنه (صلى الله عليه وآله وسلم) لما أمره بالاستئذان، أو البيع ولم يقبل، علم (صلى الله عليه وآله وسلم) أن قصده من بقاء ملكه هنا ليس إلا الإضرار، إذ لو كان القصد الانتفاع به، لتحقق بالاستئذان أيضا، ولذا قال (صلى الله عليه وآله وسلم):
" ما أراك إلا رجلا مضارا " أو " أنك رجل مضار " وهذا الإبقاء ليس واجبا، فأمر بقلعه.
وأما تضرر سمرة بالقلع، فيمكن أن يكون هذا بخصوصه خارجا عن الضرر المنفى بالعموم، لوجه خاص فيه، فإن العمومات تخصص بتخصيص الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم)، سيما مع ما ظهر من سمرة من عدم قبول نخيلات الجنة بعوض هذا النخل، المنبئ عن نفاقه، أو عدم اعتقاده، فتأمل.
البحث التاسع:
قيل في تحقيق (نفي العسر والحرج) و (نفي الضرر) ما عبارته ذلك بعد التلخيص وحذف بعض الزوائد: إن معنى نفي العسر والحرج والضرر في كلام الله ورسوله وخلفائه، أما في الأولين: فهو أنه تعالى لا يرضى للعباد بالعسر والحرج، ولا يجعل عليهم ما يوجبها. وأما في الضرر: فهو أنه تعالى أيضا لا يفعل ما يضر العباد به، أو لا يرضى بإضرار بعض عباده بعضا، فيجوز لمن يتضرر دفع الضرر عن نفسه، ولا يجب تحمله عن الضار، ويحرم على الضار إيصال الضرر. ويمكن إجراء المعنيين في العسر والحرج أيضا.
وقد تداول الاستدلال في جميع تلك الموارد: أما في عدم إضرار الله تعالى بعباده، كما في وضع المؤن في الزكاة، وأما في عدم جواز إضرار العباد بعضهم بعضا فكثير. وكذلك العسر والحرج.
أما المنفي عن فعله تعالى: كما في القعود في الصلاة والإفطار في الصوم للمريض. وأما عن فعل الغير: فكما في تكليف الوالدين ما يوجب الحرج على الولد.
صفحه ۶۰