هناك احتمالات ثلاثة مثلا، وكان اثنان منها موجبا للضرر، يحكم بتعيين الثالث لولا دليل آخر غير الأصل على انتفائه. وكذا إذا كان أحدها موجبا للضرر، والآخر نافيا لدليل شرعي آخر غير الأصل، فيحكم بتعيين الثالث إذا لم يكن على نفيه دليل غير الأصل.
وأما الأصل: فهو غير صالح للنفي هناك، لأن بطلان غيره دليل على ثبوته.
بقي هاهنا أمر آخر: وهو أن الضرر - كما مر - هو ما لم يكن بإزائه عوض، والعوض - كما أشرنا إليه - يعم الأخروي أيضا، والعوض الدنيوي مما يمكن درك وجوده أو انتفائه، بخلاف الأخروي، وعلى هذا فكيف يمكن فهم أن الضرر الذي يتضمنه الحكم الفلاني لا عوض له، حتى يكون ضررا لا ودفعه: أن الضرر هو الذي لم يكن بإزائه عوض معلوم أو مظنون، و احتمال العوض لا ينفي صدق الضرر، مع أن العوض الأخروي معلوم الانتفاء بالأصل.
فإن قيل: هذا ينفع إذا لم يكن الحكم المتضمن للضرر داخلا في عموم دليل شرعي، وأما إذا كان داخلا فيه - سيما إذا كان من باب الأوامر وأمثاله - يثبت العوض، ويلزمه عدم تعارض نفي الضرر مع عموم (1)، مع أنه مخالف لكلام القوم.
مثلا إذا ورد: إذا استطعتم حجوا، وإذا دخل الوقت صلوا، يدل بعمومه على الأمر بالحج والصلاة في كل وقت حصلت الاستطاعة أو دخل الوقت وإن تضمن ضررا كليا، والأمر يدل على العوض فلا يكون ضررا.
قلنا: الأمر تعلق بالحج والصلاة، ولازمه تحقق الأجر المقابل لماهية الحج والصلاة، المتحقق في حالة عدم الضرر أيضا، وأما حصول عوض في مقابل
صفحه ۵۶