ومرادهم من الأصل هنا: كل ما يثبت، لولا الدليل على خلافه. وبعبارة أخرى: ما يدل على ثبوت شئ لولا الدليل على خلافه، ومن الدليل: ما يدل على ثبوت شئ مطلقا.
والفرق: أن الأول لا يعارض دليلا أصلا، سواء كان موضوع الدليل أعم من موضوعه مطلقا، أو من وجه، أو أخص. والثاني: يعارض مع الأدلة، ويعمل حين التعارض بما يقتضيه التعادل والترجيح.
مثلا قوله (عليه السلام): " كل ماء طاهر " دليل على طهارة الماء. فإذا ورد: " كل شئ نجس " يتعارضان، والأول أخص مطلقا، فيخصص الثاني به.
وإذا ورد: " كل شئ ملاق للنجاسة نجس " يتعارضان بالعموم من وجه، و محل التعارض: الماء الملاقي للنجاسة، فيعمل فيه بمقتضى التراجيح.
وإذا ورد: " كل ماء ملاق للنجاسة نجس " يكون أخص مطلقا من الأول، فتخصصه.
وأما قوله (عليه السلام): " كل ماء لم يعلم نجاسته فهو طاهر: أو " كل ماء طاهر حتى يعلم أنه نجس " فهو دليل على أصالة طهارة الماء، لا على طهارته، فهو دليل على الأصل (1)، ولا يعارض شيئا من المذكورات، فإن كلا منها دليل شرعي عام، شامل للماء مطلقا، أو الماء الملاقي للنجاسة، فهو يكون معلوم النجاسة، فيكون خارجا عن مدلول كل ماء لم تعلم نجاسته، ويكون الماء معلوم النجاسة حينئذ.
ويعلم كون شئ من باب الدليل أو الأصل، بكونه مقيدا بعدم الدليل على خلافه ومطلقا، فإن كان مقيدا، فهو من باب الأصل، كأصل البراءة والحقيقة و أمثالهما، فإنه ليس هناك دليل دال على براءة ذمة كل أحد من التكاليف، ولا على كون كل لفظ مستعملا في معناه الحقيقي، بل الثابت: هو براءة الذمة ما لم يعلم الشغل، والاستعمال في الحقيقة ما لم يعلم التجوز، ولو كان هناك دليل
صفحه ۵۴