وما أجمل تلك الجملة التي قالها محمد بن عبد الله العلوي حين أمنه المنصور على نفسه، فقد قال: أي أمان تعطيني؛ أمان ابن هبيرة ، أم أمان عمك عبد الله، أم أمان أبي مسلم؟!
ولقد تنفس المنصور حين قتل أبا مسلم، حتى قال له بعض أقربائه ساعة قتله: عد هذا اليوم أول يوم من خلافتك. •••
على أنه من الحق أن نقرر أن عدوان المنصور وإسرافه في التنكيل بخصومه له قيمته في الدلالة على عرفانه بحق الملك، وحرصه على نجاة الدولة من أخطار البغي والخروج على النظام، ففي سبيل هذه الغاية أسرف في سفك الدماء، وتقطيع الأرحام، وقتل أمثال بني الحسن والحسين، والديباج الأصفر، والنفس الزكية، وقتل عمه وقائده، وترك خزانة رءوس فيما ترك ميراثا لابنه المهدي.
ولقد كان مع هذه القسوة ثاقب الرأي، محكم التدبير، وهو الذي يقول لابنه المهدي: «يا أبا عبد الله، ليس العاقل الذي يحتال للأمر الذي وقع فيه حتى يخرج منه، ولكنه الذي يحتال للأمر الذي غشيه حتى لا يقع فيه.»
وقد ذكر المؤرخون أنه كان إذا جنى على أحد جناية، أو أخذ من أحد مالا جعله في بيت المال مفردا، وكتب عليه اسم صاحبه، فلما أدركته الوفاة قال لابنه المهدي: «يا بني، إني قد أفردت كل شيء أخذته من الناس على وجه الجناية والمصادرة، وكتبت عليه أسماء أصحابه؛ فإذا وليت أنت فأعده على أربابه ليدعو لك الناس ويحبوك.» وفي عهد المنصور أنشئت «بغداد» موئل العلم ودار السلام.
هوامش
الفصل السادس
المهدي
عيناي واحدة ترى مسرورة
بأميرها جذلى وأخرى تذرف
صفحه نامشخص