95

أقطع أرحاما على عزيزة

وأبدي مكيدات لها وأثيرها

فلما وضعت الأمر في مستقره

ولاحت له شمس تلألأ نورها

دفعت عن الأمر الذي أستحقه

وأوسق أوساقا من الغدر عيرها

وجاء في ابن الأثير أن المنصور أحضر عيسى بن موسى بعد أن خلع نفسه، وسلم إليه عمه عبد الله بن علي وأمره بقتله وقال له: إن الخلافة صائرة إليك بعد المهدي؛ فاضرب عنقه، وإياك أن تضعف فتنقض علي أمري الذي دبرته. ثم مضى إلى مكة وكتب إلى عيسى من الطريق يستعلم منه عما فعل في الأمر الذي أمره، فكتب عيسى: «قد أنفذت ما أمرت به.» فلم يشك في أنه قتله - وكان عيسى حين أخذ عبد الله من عند المنصور دعا كاتبه يونس بن فروة وأخبره الخبر، فقال: أراد أن يقتله ثم يقتلك؛ لأنه أمر بقتله سرا، ثم يدعيه عليك علانية؛ فلا تقتله، ولا تدفعه إليه سرا أبدا، واكتم أمره، ففعل ذلك عيسى - فلما قدم المنصور وضع على أعمامه من يحركهم على الشفاعة في أخيهم عبد الله، ففعلوا وشفعوا، فشفعهم وقال لعيسى: إني كنت دفعت إليك عمي وعمك ليكون في منزلك، وقد كلمني عمومتك فيه وقد صفحت عنه فائتنا به، قال: يا أمير المؤمنين، ألم تأمرني بقتله فقتلته؟ قال: ما أمرتك؟ قال: بل أمرتني، قال: ما أمرتك إلا بحبسه وقد كذبت، ثم قال المنصور لعمومته: إن هذا قد أقر بقتل أخيكم، قالوا: فادفعه إلينا نقيده به. فسلمه إليهم وخرجوا به إلى الرحبة، واجتمع الناس وشهر الأمر وقام أحدهم ليقتله، فقال عيسى: أفاعل أنت؟ قال: إي والله! قال: ردوني إلى أمير المؤمنين. فردوه إليه، فقال له: إنما أردت بقتله أن تقتلني، هذا عمك حي سوي، قال: ائتنا به. فأتاه به، قال: يدخل حتى أرى رأيي، ثم انصرفوا فأمر فجعل في بيت أساسه ملح، وأجري الماء في أساسه فسقط عليه فمات.

وهذه الرواية يؤيدها أكثر المؤرخين من العرب. وقد فعل أبو مسلم مع سليمان بن كثير - وكان من أركان هذه الدولة - ما يضيف حلقة إلى سلسلة الاضطهادات التي ارتكبت تأييدا لهذا الملك، فقد أحضره إليه وقال له: أتحفظ قول الإمام لي: «من اتهمته فاقتله؟» قال: نعم، قال: فإني قد اتهمتك. فخاف سليمان وقال: أناشدك الله! قال: لا تناشدني؛ فأنت منطو على غش الإمام. وأمر بضرب عنقه.

وقد سئم الناس هذه الحالة وثار بعض أمراء بني العباس أنفسهم احتجاجا على ما أريق من الدماء، فقد جاء في الأغاني في أخبار عبد الله بن عمر العقيلي الشاعر المخضرم، أن محمد بن عبد الله لما سمع للعقيلي قصيدته التي مطلعها:

تقول أمامة لما رأت

صفحه نامشخص