فلما جاء الإسلام، ودخل الناس فيه أفواجا، وتم له السلطان في جزيرة العرب، ألف بين القبائل، وأزال ما في صدورهم من أحقاد، وذلك ما يشير إليه قول الله تعالى:
هو الذي أيدك بنصره وبالمؤمنين * وألف بين قلوبهم لو أنفقت ما في الأرض جميعا ما ألفت بين قلوبهم ولكن الله ألف بينهم إنه عزيز حكيم .
ألف الإسلام بين قلوب العرب، وأزال كل أثر للعصبية القديمة في نفوسهم، ولكنه استبدلها بعصبية واسعة شاملة هي عصبية الإسلام، وجعل المؤمنين جميعا إخوة.
وبقى أمر العرب كذلك إلى عهد الخلفاء الراشدين، وذلك راجع لا محالة إلى عوامل شديدة الأثر في نفوسهم؛ كهيمنة الروح الدينية عليهم، وكانشغالهم بالفتح وما استتبع الفتح من غنائم، وكحزم الخلفاء وحكمتهم، وشدة الولاة وقسوتهم.
فلما كان العصر الأموي واستقر الناس في الحواضر الإسلامية وشغلوا بعض الشيء عن الفتوح، راجعتهم الشنشنة القديمة، فأخذ بعضهم يفتخر على بعض بما كان لآبائهم من مجد في الجاهلية، وبلاء في الإسلام، وما لقبائلهم من قوة وأيد. وقد أدرك بعض شعرائهم النتائج السيئة لذلك، فقال الحارث بن عبد الله بن الحشرج بن المغيرة بن الورد الجعدي:
أبيت أرعى النجوم مرتفقا
إذا استقلت تجري أوائلها
من فتنة أصبحت مجللة
قد عم أهل الصلاة شاملها
من بخراسان والعراق ومن
صفحه نامشخص