228

وهاك ما فعله الخليفة المأمون مع بابك والبابكيين بعد ما عاثوا في الأرض فسادا وأخافوا السبل وأثاروا الاضطراب، بعث المأمون لمحاربتهم بعد أن انتقل إلى بغداد يحيى بن معاذ ، فكانت بينهما وقعة لم يتح الفوز فيها لأحدهما على الآخر، ثم اختار المأمون قائدا آخر هو عيسى بن محمد، فولاه أرمينية وأذربيجان ومحاربة بابك، فنكب وفشل، ثم وجه إليه صدقة بن علي المعروف بزريق، وندب للقيام بأمره أحمد بن الجنيد الإسكافي، فأسره بابك، ثم بعث إليه محمد بن حميد الطوسي فقتله بابك سنة 214ه بهشتادسر وفض عسكره وقتل جمعا كثيرا ممن كان معه.

وهكذا كان أمر بابك؛ كلما وجهت إليه حملة هزمها؛ لمكانه الحصين وقوته الكبيرة وشدة تأثيره في قلوب أتباعه وأنصاره، وأخيرا انصرف عنه المأمون لانشغاله بمناوأة الروم، حتى إذا شعر بدنو منيته كتب في وصيته إلى المعتصم بشأن بابك يقول:

والخرمية فأغزهم ذا حزامة وصرامة وجلد، واكنفه بالأموال والسلاح والجنود، من الفرسان والرجالة، فإن طالت مدتهم فتجرد لهم بمن معك من أنصارك وأوليائك، واعمل في ذلك مقدم النية فيه راجيا ثواب الله عليه.

وقد عظم خطر بابك وكثر الداخلون في مذهبه في أول عهد المعتصم سنة 218ه، وما زال به المعتصم يجرد إليه الحملات تلو الحملات حتى انتهى أمره في سنة 221ه بأسره، وقتله ب «سر من رأى»، هو ورهط من أتباعه، على يد قائد المعتصم التركي العظيم حيدر بن كاوس الأشروستي المعروف بالأفشين.

مذاهب ونحل

ويحسن بنا أن نشير هنا إلى أن هذا العصر من العصور الإسلامية قد كثر فيه الاختلاط بين أمم الشرق والغرب، فظهرت في العالم الإسلامي مقالات دينية وفلسفية كثيرة غريبة، أشار إليها مؤرخو الآراء والمذاهب، تجد طرفا منها في فهرست ابن النديم، وطرفا في كتب «الملل والنحل»، وطرفا في كتاب الأستاذ «برون» الذي وضعه عن «تاريخ الفرس الأدبي»، ففيه شيء عن المانية

12

وغيرها، وقد وقف أبو العلاء المعري عند هذه الآراء والمذاهب في «رسالة الغفران» وقفة ممتعة.

على أنا لا نحب أن نعرض لهذه المقالات بشرح أو تفصيل؛ لأنا نحس إحساسا صادقا، وربما كنا فيه على حق، أن الكثير من هذه الآراء والمذاهب لا يزال غامضا لقلة النصوص وعدم غناء المصادر وكفايتها، ونظن أن الاحتياط في مثل هذا الموقف أسلم وأبقى، وكل ما نأمله هنا ونرجوه حقا أن يتجرد لمثل هذا البحث الممتع النافع بعض الذين يعنون بتاريخ الآراء والمذاهب الفلسفية والدينية في الإسلام.

افتراضات

صفحه نامشخص