202

3

فقال الفضل: القول ما قال يا أمير المؤمنين.

قال: فليكتب بما رأى، قال: فكتب إليه:

من عند الأمين محمد أمير المؤمنين إلى عبد الله بن هارون أمير المؤمنين

أما بعد، فإن أمير المؤمنين رأى في أمرك والموضع الذي أنت فيه من ثغرك، وما يؤمل في قربك من المعاونة والمكانفة على ما حمله الله وقلده من أمور عباده وبلاده، وفكر فيما كان أمير المؤمنين الرشيد أوجب لك من الولاية، وأمر به من إفرادك على ما يصير إليك منها، فرجا أمير المؤمنين ألا يدخل عليه وكف في دينه، ولا نكث في يمينه، إذ كان إشخاصه إياك فيما يعود على المسلمين نفعه، ويصل إلى عامتهم صلاحه وفضله.

وعلم أمير المؤمنين أن مكانك بالقرب منه أسد للثغور وأصلح للجنود وآكد للفيء، وأرد على العامة من مقامك ببلاد خراسان منقطعا عن أهل بيتك، متغيبا عن أمير المؤمنين وما يحب الاستماع به من رأيك وتدبيرك. وقد رأى أمير المؤمنين أن يولي موسى ابن أمير المؤمنين فيما يقلده من خلافتك ما يحدث إليه من أمرك ونهيك، فاقدم على أمير المؤمنين على بركة الله وعونه، بأبسط أمل، وأفسح رجاء، وأحمد عاقبة، وأنفذ بصيرة، فإنك أولى من استعان به أمير المؤمنين على أموره، واحتمل عنه النصب فيما فيه صلاح أهل بيته وذمته. والسلام.

ولننظر إلى ما يرويه لنا ابن جرير الطبري عن أعضاء هذا الوفد، فإنه يقول :

لما وصلوا إلى عبد الله أذن لهم، فدفعوا إليه كتاب محمد وما كان بعث به معهم من الأموال والألطاف، ثم تكلم العباس بن موسى بن عيسى فحمد الله وأثنى عليه، ثم قال: أيها الأمير! إن أخاك قد تحمل من الخلافة ثقلا عظيما، ومن النظر في أمور الناس عبئا جليلا، وقد صدقت نيته في الخير، فأعوزه الوزراء والأعوان والكفاة على العدل، وقليل ما يأنس بأهل بيته، وأنت أخوه وشقيقه وقد فزع إليك في أموره وأملك للمؤازرة والمكانفة، ولسنا نستبطئك في بره اتهاما لنصرك له، ولا نحضك على طاعته تخوفا لخلافك عليه، وفي قدومك عليه أنس عظيم وصلاح لدولته وسلطانه، فأجب أيها الأمير دعوة أخيك، وآثر طاعته، وأعنه على ما استعانك عليه في أمره، فإن في ذلك قضاء الحق، وصلة الرحم، وصلاح الدولة، وعز الخلافة. عزم الله للأمير على الرشد في أموره، وجعل له الخيرة والصلاح في عواقب رأيه.

وتكلم عيسى بن جعفر بن أبي جعفر فقال: إن الإكثار على الأمير - الله! الله! - في القول خرق، والاقتصار في تعريفه ما يجب من حق أمير المؤمنين تقصير، وقد غاب الأمير - أكرمه الله - عن أمير المؤمنين، ولم يستغن عن قربه من شهد غيره من أهل بيته، ولا يجد عنه غنى، ولا يجد منه خلفا ولا عوضا، والأمير أولى من بر أخاه وأطاع إمامه؛ فليعمل الأمير فيما كتب به إليه أمير المؤمنين بما هو أرضى وأقرب من موافقة أمير المؤمنين ومحبته، فإن القدوم عليه فضل وحظ عظيم، والإبطاء عنه وكف في الدين، وضرر ومكروه على المسلمين.

وتكلم محمد بن عيسى بن نهيك فقال: أيها الأمير، إنا لا نزيدك بالإكثار والتطويل فيما أنت عليه من المعرفة بحق أمير المؤمنين، ولا نشحذ نيتك بالأساطير والخطب فيما يلزمك من النظر والعناية بأمور المسلمين.

صفحه نامشخص