فضحك عزت عاليا، وقال: لا فائدة، ولكن معذرة؛ فقد أصبحت من رجال الماضي! - ما زلت شابا!
ابتسم عزت بمرارة. ابنه لا يدري ماذا يقول. لا يرى هذا الكرش، ولا هذه التجاعيد المبكرة تحت عينين أضناهما السهر والشراب والمخدر، ولم يعرف شيئا عن الخطاب الغفل من الإمضاء، ولا عن احتقار المطلقة المهجورة له وإيثارها لحيوان طاعن في السن. وعاد يسأله: وما الهدف من السياسة؟
فأجاب بعد تفكير: هو هدف كل إنسان؛ السعادة! - ولكن للسعادة سبلا أسهل وأقل خطورة. - لا أظن، نادرا ما يحقق إنسان ذاته وسعادته مثلك!
فقال بحدة غير متوقعة: لا تضرب بي المثل من فضلك!
وتذكر أمه في إصرارها الأبدي وجولاتها الخالدة، فقال: إن الولد سر جدته، كلاهما مصاب بجنون واحد، ولكنه فريد من نوعه. أما حياته هو فهي السعي الدائب نحو سعادة لا تريد أن تتحقق، وقد وهب الصحة والمال والنجاح والمرأة ويعيش مطاردا بقوة ماكرة خفية. وقال بنبرة جديدة مستسلما: أتدري يا بني، يبدو أن أكبر خطأ نرتكبه في حياتنا هو الاعتقاد بأن الهدف هو السعادة.
فسأله سمير ببراءة: فما البديل؟
فقال في حيرة وهو يضحك: لا أدري. - ولكنك خبرت الناس والحياة. - لا أرى في الملهى إلا السفهاء والمجانين.
فضحك سمير في حبور، فاستطرد عزت: لعل النقص يكمن في أننا نمر بفترة انتقال. - أجل، إن وطننا.
ولكنه قاطعه قائلا: أعني الإنسان، إنه قادر على إدراك تعاسته. - الأمر سهل، ما علينا إلا أن نزيل أسباب الشقاء!
فارتفع صوته وهو يقول: صديقي حمدون فقد حياته وهو يفعل ذلك. - إن التضحية ... حسن، لا بد أنك تسلم بقيمة التضحية؟
صفحه نامشخص