عزت عبد الباقي
لن تمنعه من الزيارة أمه ولا جدته. ارتدى البيجاما والروب، حلق ذقنه بعناية، سوى شاربه، مشط شعره، تطيب، انتظر. وفي الساعة العاشرة دق جرس الباب. انتقل الرنين إلى قلبه، هرع بجسمه البدين إلى الباب. فتح، رأى شابا لم يشك لحظة في هويته، خفق قلبه كما لم يخفق من قبل، فتح ذراعيه. أخيرا تلاقى الأب والابن وتعانقا ... مضى به إلى حجرة الجلوس. جلسا على فوتيلين متقابلين وراء باب الشرفة المغلق، بينهما خوان عليه طبق سمح متعدد الثغرات، مليء بالفواكه والنقل والشيكولاتة ودورق ماء وقارورة اسباتس وقدح ذي حامل فضي. راحا يتبادلان النظر في اهتمام وانفعال وعلى شفتي كل منهما ابتسامة متألقة ترتعش في شيء من الارتباك. سره أن يراه رشيق القامة مع ميل إلى الطول، وأن يرث عيني «عين» الجميلتين وأنفها الطويل السامق وجبينها المرتفع. يا له من شاب مليح عامر بالحيوية والذكاء!
وقرر إنهاء الصمت فقال: إني سعيد جدا برؤياك.
فأجاب بصوت ذكره بصوت سيدة: وإني لأسعد يا أبي.
وهو يضحك: لا شك أنك تعرف عني أشياء، لعلها غير سارة، أنا أيضا أعرف عنك الكثير، عندي من يوافيني بالأخبار، ومن ذلك تدرك أنني لم أتناس الأهل والمكان، ولكن لندع جانبا ما يعكر الصفو، ولندافع عن سعادتنا المشتركة ما أمكن. - خير ما نفعل. - أنت طالب في الهندسة؟ - أجل. - وناجح في دراستك فيما بلغني؟ - أملي كبير في بعثة إلى الخارج.
فأشار إلى الخوان يدعوه إلى تناول شيء، وقال: هائل! أبوك لم يحب الدراسة ولم يوفق فيها، وتسليتي في قراءة قصص الجريمة، لكن الزمن يجيء دائما بالأحسن، كل واشرب ثم حدثني عن حياتك.
فقال وهو يصب الاسباتس في القدح: دراستي هي شغلي الشاغل، في العطلة أمارس الرياضة والمطالعة. - لا تلمني إذا لم أسألك عن أمي أو أمك؛ فإني أعرف عنهما كل شيء. ماذا تطالع؟ - موضوعات شتى ... سياسة ... أدب ... دين ... وأحب السينما كذلك.
وهو يضحك مرة أخرى: والمسرح ؟
فعصر عينيه من الدموع التي بعثتها الغازوزة متجاهلا السؤال، فقال عزت: لذلك أفلست المسارح. وهل تهتم بالسياسة؟ - الجيل كله يهتم بها.
فغشيت عينيه نظرة جادة وتمتم: للسياسة مآسيها! - أحيانا.
صفحه نامشخص