وبدافع من الكبرياء أخبره عن مشروعه التجاري الذي يفكر فيه، فقال حمدون: لا مفر من ذلك، وإلا فما معنى الحياة؟! - إذن حياتك الآن لها معنى؟ - إنها مفعمة بالنشاط ... ومن يدري؛ فقد أكون فرقة ذات يوم. - وهل تستطيع أن تصمد أمام المسارح الكبيرة؟ - أعني فرقة صغيرة تعمل في روض الفرج صيفا، وإن وجدنا تشجيعا عملنا في الكلوب المصري شتاء. هذا ما أطمح إليه.
دار رأس عزت، دهمته خواطر غريبة مباغتة، غزاه إلهام بعث النشاط في قلبه وإرادته، لم يشعر من قبل بمثل ما شعر به وقتذاك من قدرة على الخلق والعمل والاقتحام. ولكي يثبت لنفسه أنه موجود لا حالم قال: حدثني يا حمدون عن التكاليف المطلوبة.
فقال الشاب باهتمام: أجرة المسرح والممثلين والملابس والديكورات. ليس بالمبلغ الخيالي، ولكن يحسن ألا يقل عن خمسمائة جنيه.
فتفكر عزت قليلا ثم تساءل: هل يضمن النجاح؟ - أعتقد ذلك خاصة إذا أدرنا البوفيه لحسابنا.
وساد صمت مليء بالانفعالات والأمل والدوافع العميقة. أخيرا تمتم عزت: دعني أفكر يا حمدون قليلا.
12
لم يكن في حاجة حقا للتفكير - كما يقول الراوي - إذ اجتاحته دفعة حيوية شديدة الانطلاق والقوة خلقت منه إنسانا جديدا مجنونا بالحركة، دعاه داع عميق للنشاط والثورة على البلادة حتى أنكر نفسه، واعتبر الأمر لهوا مقدسا ولعبا سارا تتحقق به الذات على نحو بهيج. ولم يغب عن تقديره أن المشروع الجديد يجب أن يطوى في طي الكتمان؛ فلا هو مما يمكن التفاهم عليه صراحة مع عين، ولا هو من الأعمال التي تعترف بها حارته أو تحترمها، وسوف تلوكه الألسنة إذا انكشف السر وتجود عليه بأشنع الصفات. ولم يثبط ذلك من همته، بل لعله ضاعف من حماسه وتمرده. صاحب مسرح ومديره، ترى ما معنى ذلك؟ أعجب من ذلك أنه لم يكتشف في نفسه اهتماما حقيقيا بالمسرح، ولكنه يجري وراء المجهول وتحدياته الغامضة، وينجذب إلى فترة ماضية عامرة بالثراء. ولا مراء في أن الإدارة تناسبه، وصحبة حمدون تعابثه، وتغيير الجو من النقيض إلى النقيض يسحره، وحسن أن يخوض التجربة متحررا من ضعف الحب وآلام الوهم وبقلب متوفز جسور.
ولكن هل تصادفه عقبة غير متوقعة عند أمه؟ لقد قالت له: إنه مبلغ لا يستهان به، ولكنه لك حبا وكرامة. أريد فقط أن أعرف مشروعك. - شركة مقاولات. - دعني أجلس ساعة مع شركائك.
فانتفض غاضبا وهتف: لست قاصرا، وهذه أعمال رجال!
فضحكت قائلة: ليكن التوفيق حليفك. •••
صفحه نامشخص