وحسبنا أن نذكر من أولئك الأعلام على سبيل المثال: الجاحظ، والصاحب بن عباد، وابن النديم، وابن رشد، والخليل، وحنين بن إسحق، والفارابي، والغزالي، وأبا الريحان البيروني، وغيرهم. ونخص بالذكر منهم الأصمعي (739-829م) الذي استظهر اثني عشر ألف أرجوزة وأربى عدد مؤلفاته على الأربعين. وخلف ثابت بن قرة (740-820) الحراني مائة وعشرين كتابا. وكان أبو تمام يحفظ أربعة آلاف أرجوزة غير القصائد والمقاطيع. وبلغت مؤلفات يعقوب الكندي (المتوفى 861م) فيلسوف العرب مائتين وأربعين مؤلفا. وكان أبو الفرج الأصبهاني (898-966م) يستصحب في أسفاره وتنقلاته حمل ثلاثين جملا من كتب الأدب ليطالعها. واعتنى العلماء بديوان أبي الطيب المتنبي (916-966م) فشرحوه أكثر من أربعين شرحا ما بين مطولات ومختصرات. وكان أبو بكر الخوارزمي (929-992م) يحفظ أكثر من عشرين ألف بيت من شعر العرب. أما الشيخ الرئيس ابن سينا (المتوفى سنة 1036م) فقد بلغت مصنفاته اثنين وتسعين كتابا.
46
وألف أبو علي بن الحسين بن الهيثم المهندس البصري نحو سبعين كتابا في الهندسة.
47
وكان يكتب كل سنة ثلاثة كتب يبيعها بمائة وخمسين دينارا (وتوفي عام 1029م). وكان أبو العلاء المعري (974-1058م) يملي على بضع عشرة محبرة في فنون من العلوم، وقد نظم الشعر وهو في الحادية عشرة من سنه، ولما توفي قرئ على قبره سبعون مرثية.
48
ونسخ ابن الجوزي (1117-1202م) كتبا جمة ذهب المغالون في عدها، فقالوا: «لو جمعت الكراريس التي كتبها، وحسبت مدة عمره، وقسمت الكراريس على المدة التي عاشها، كان ما خص كل يوم من حياته تسع كراريس.» وأنافت مصنفات موفق الدين عبد اللطيف (1161-1231م) على المائة والستين، وكان في النهار يقرئ الناس بالجامع الأزهر، وكان في الليل يشتغل على نفسه. وبلغت مصنفات تقي الدين بن تيمية (1263-1328م) خمسمائة مؤلف. وناهزت مصنفات جلال الدين السيوطي (1446-1505م) نحوا من أربعمائة مصنف!
ذلك كله يدل دلالة واضحة على ما بلغت إليه النهضة العربية في عصرها الذهبي من المقام الرفيع لا ما بين الأمة العربية فحسب بل ما بين أمم العالم طرا. تلك حقيقة جلية ناصعة أيدها كل من له إلمام بتاريخ العرب وآثار خلفائهم وأخبار أعلامهم وأدبائهم. فسبحان الله الرزاق الكريم
والله خير الرازقين .
49
صفحه نامشخص