وقد جاء كتاب الأستاذ صبري أبو المجد مفصلا لما كان يجمله رأي أبي. وقد كتبه في لغة أخاذة وفي استطراد مشوق، فنجد الأحداث فيه يأخذ بعضها برقاب بعض في غير عنت عليك، وفي تعمق للأحداث حتى يبلغ من حقائقها أقصى ما تستطيع أن تعطي.
يغري بعض الناس صحفيا ممن كانوا يعملون بجريدة الأخبار أن يذهب إلى دار السفارة البريطانية ليحصل على أخبار السودان. ويذهب مندوب الأخبار ويقول إنه قدم بطاقته ليدخل إلى السكرتير الشرفي بها، فإذا هو يقدمه على كل الصحفيين الآخرين. ويروح السكرتير يطري الرافعي وينوه بشرف خصومته، ثم يسأل الصحفي عما يريده فيخبره، فيقول له إذن أنت تريد أخبارا. - نعم. - ولكنك مراسل جريدة خصيمة عنيدة تتهم الإنجليز بأنهم كلاب قذرة، ونحن لا نعطي هذه الأخبار إلا للصحف الموالية لنا، فهل لك وقد جئت إلى دارنا أن تبلغ الأستاذ الرافعي أن هذه العبارة التي كتبها إبراهيم عبد القادر المازني تستحق الاعتذار حتى لا تتعرض الأخبار للمحاكمة.
ويخرج صحفي الأخبار ويبلغ الرافعي رئيس التحرير بما كان من أمر السكرتير الشرفي، فإذا الرافعي يبدأ حملة جديدة أشد في ألفاظها وأقسى من السابقة، ويقول فيها بمنطق لا يقبل الجدل: «إن الإنجليز يرون في الكلمات شيئا يستحق المحاكمة، ولا يرون في ضرب الأبرياء الآمنين السودانيين ما يستحق المؤاخذة.»
وفي عام 1914 يشعر الرافعي أن إنجلترا ستعلن الحماية على مصر، وأنها ستمنع الخديو عباس حلمي الثاني من العودة إلى مصر، وأنها تستعين بدلا منه بالأمير حسين كامل. وكان من الطبيعي أن يدرك أن قرار إعلان الحماية لا بد من نشره في الصحف عند صدوره بسبب وجود الأحكام العرفية والرقابة على الصحف. وينتظر الرافعي إعلان الحماية، وقد بيت أمرا؛ فما إن صدر الإعلان حتى أعلن هو إغلاق جريدة الشعب التي كان يصدرها حتى لا ينشر هذا الإعلان في جريدة مصرية تحمل اسمه. ويصف الدكتور عبد العزيز رفاعي هذا القرار في كتابه ثورة مصر سنة 1919 بقوله: إن قرار أمين الرافعي بوقف إصدار جريدة الشعب هو أول احتجاج مصري على الحماية البريطانية.
وهكذا كان الرافعي بذلك هو صوت مصري احتج على إعلان الحماية البريطانية، وكان من الطبيعي أن يكون من أوائل المعتقلين.
وفي أثناء ثورة 1919 يقول الأستاذ صادق عنبر عن دور أمين الرافعي في لجنة الوفد المركزية: بقي أمين يدير دفة الحركة الوطنية في لجنة الوفد المركزية التي كان روحها وقوامها، فكان يحرر قراراتها ونداءاتها، ويدير حركاتها لمصلحة القضية الوطنية بإخلاص ونزاهة، وهو الذي كتب المقالات الشهيرة الوطنية «ديننا والاستقلال» هاتفا باسم أحد أعضاء الوفد سنة 1919 وسنة 1920 فأحدثت تأثيرا كبيرا في الرأي العام، وهو أول من دعا إلى مقاطعة لجنة ملنر في أنحاء القطر المصري، ووافقه الوفد على فكرته، فكانت هذه الحركة موضع إعجاب العالم بما أظهرته الأمة من الاتحاد وتماسك الصفوف وصدق النظر. واستأنف جهاده في الصحافة بإصدار جريدة الأخبار، فنالت من المكانة لدى الجمهور ما كان للشعب واللواء من قبل.
ويقول الأستاذ أحمد وفيق: ما كان أمين الرافعي في أثناء وجود الوفد في الخارج إلا محور اللجنة المركزية ومديرا لدفتها وقائدها الأعلى إلى الأمام، ودائما إلى الأمام في سبيل التمسك بالحق الكامل لمصر.
وبعد فإني أهنئ الأستاذ صبري أبو المجد لاختياره هذه الشخصية الرائعة لكتابه العظيم، ولو كان الفنانون السينمائيون مصريين حقا لأرخوا لتاريخ مصر بهؤلاء الأعلام الأفذاذ وليس بتاريخ المواخير ورائدات الفجور عفا الله عنهم وعنهن . ولست بمستطيع أن أختم مقالي هذا ولا أذكر أبيات أمير الشعراء في رثاء أمين الرافعي:
يا أمين الحقوق أديت حتى
لم تخن مصر في الحقوق فتيلا
صفحه نامشخص