قال الأفشين: «لو صح ذلك لذكرها صاحب الوصية في وصيته وهو لم يفعل فأنا أعد الفتاة غير مخطوبة ولا يجوز أن تخطبها إلا بأمري تنفيذا لوصية أبيها.» قال ذلك والتفت إلى المعتصم كأنه يستشيره فاحتار الخليفة؛ لأنه يحب أن ينال ضرغام طلبه ولا يحب أن يرى شقاقا في جيشه فقال: «هب أن أبا الفتاة لم يعلم بالخطبة أو لم يعترف بها وأنت ولي أمر الفتاة الآن فنحن نخطبها منك.»
فأفحم الأفشين ووقع في مأزق بين أن يغضب الخليفة وبين ذهاب جهان من يده، فأطرق لحظة ثم قال: «إن أمر مولاي نافذ لا مرد له. وليكن بعد رجوعنا إلى سامرا إن شاء الله.»
فالتفت المعتصم إلى ضرغام ولسان حاله يقول: «هذا هو الرأي الصواب.»
فعلم ضرغام أن الأفشين يماطل. وأنه ينوي ما يقول فقال محتدا: «إذا كان الأفشين قبل طلب أمير المؤمنين فليعقد الخطبة هنا.»
فابتسم الأفشين وأذعن وقال: «إذا أمر أمير المؤمنين فلا اعتراض. ولكني لا أدري أين السبايا الآن وأظنهن حملن إلى سامرا.» ففرح ضرغام لاعتقاده بأن جهان في المعسكر بعد أن رأى جوادها فيه. فقال: «إذا لم تكن الفتاة هنا أجلنا الخطبة إلى يوم عقدها في سامرا، فليأمر أمير المؤمنين بأن يأتوا بها إليه.»
فنادى الغلام وأمره أن يذهب إلى معسكر الأفشين ويأتي بالفتاة السبية جهان. فاستمهله ضرغام وقال: «إن اسمها جلنار فهي معروفة بذلك في هذه الديار.»
خرج الغلام ومكث ضرغام كأنه على نار وقد هاجت شجونه وخفق قلبه تطلعا لرؤية حبيبته بعد الفراق الطويل، وتخيل كم تكون دهشتها لما يقع نظرها عليه بغتة وهي تحسبه في عالم الأموات. وقضى في ذلك دقائق حسبها ساعات حتى عاد الرسول وقال: «إن السبايا أرسلن إلى سامرا هذا الصباح.»
فوقع الخبر وقوع الصاعقة على رأس ضرغام، فسكت وقد عزم في سره أن يكلف وردان بتدقيق البحث عن جهان فإذا كانت لا تزال في المعسكر أخذها عنوة.
فلما أذن المعتصم لهما بالانصراف، ذهب توا إلى فسطاطه ليرى وردان فلم يجده فسأل العبيد عنه فقالوا إنهم لم يروه منذ الصباح ولا يعرفون مكانه. فخرج للبحث عنه في فسطاطه فلم يجده ولم يجد حمادا، وكان يتوقع أن يراهما معا، فقلق وهو في أشد الحاجة إلى وردان. فخرج بنفسه لتفقد جواد جهان حيثما كان في الصباح فلم يجده فأيقن أن الأفشين صدق وأنه لا يجرؤ على الكذب على الخليفة، فرجع إلى فسطاطه وكظم ما في نفسه.
الفصل الحادي والعشرون
صفحه نامشخص