قال: «يلوح لي أنك من أولئك اليهود الذين يسمون أنفسهم مسلمين فيحرمون الخمر. وهل في ملذات العالم أشهى منها، بل هي أم الملذات؛ لأنها تشحذ القوى وتستحث مطالب الجسد فتضرم الرغبة فيما تشتهيه النفوس من الطيبات.»
فقالت: «كيف تكون صاحب السلطان وقاهر المسلمين، ثم ترى هذه الشهوات زينة الحياة؟ إن هدف البطل هو أن يكون سيدا جليلا نافذ الكلمة يهابه البعيد ويحبه القريب.»
فقطع كلامها قائلا: «ألست كذلك؟»
قالت: «كلا. فقد يخافك البعيد ولكن القريب لا يحبك. والذين حولك يسبحون باسمك ويعظمونك تملقا، فإذا غبت قالوا فيك كل قبيح؛ لأنك لم تفعل ما يحببك إليهم.»
فمل بابك في أمر هو مغلوب فيه. ورأى من الجهة الأخرى أنه بالغ في التزلف لتلك الفتاة، وأكبر أن تكون منه بمنزلة الواعظ أو المرشد فقال: «ما لنا ولهذا الجدال الآن؟ هيا بنا يا جهان.» ووقف وهو يمد يده ليمسك بيدها ويعينها على النهوض. فجذبت يدها منه وظلت قاعدة.
فمد يده ثانية ليمسكها فوقفت ويدها وراء ظهرها وقالت: «قف عن حدك يا بابك، إنك بهذا العمل تؤيد قولا أنت تنكره على الناس. لا تدن مني.»
فقال: «ومن يدنو منك إذن غيري؟ أنت عروسي وقد بعثت فأتيت بك من أقصى بلاد الترك لأجعلك سعيدة، فلا تجعليني شقيا!»
قالت: «من كانت مطالبه جسدية وكان ذا سلطان فقد لا يشقى؛ لأن يده تنال ما يريده إن لم يكن بالمال فبالسيف، فكيف تشقى لأني لم أرضخ لك وفي قصورك مئات من النساء الجميلات، فافرض أني لست هنا واتركني وشأني.»
قال: «لو لم أكن أتوقع السعادة بقربك. أو لو كان لي غنى عنك ما تكبدت المشقة في استقدامك، ولم أكن لأنال ذلك لولا حبيبنا سامان.»
فتحققت عند ذلك أن أخاها هو الذي أسلمها. فتحولت نقمها إليه وأصبحت لا تدري ممن تنتقم ولا كيف تنتقم، فتجاهلت ما فهمته عن سامان وقالت: «تكبدت كل ذلك من أجلي لتجعلني مثل نساء قصرك؟»
صفحه نامشخص