كان الرسول قد أخبرها بأنها يمكنها تقديم النصيحة للسلطان في حال أن طلبت منها النصيحة صراحة، وقد طلب فخامته نصيحتها بوضوح؛ ولكنها لم تكن تعلم أي شيء عن السياسة ما عدا ما قرأته في الكتب. عضت باطن صدغها وأخذت تفكر في كل الكتب التي قرأتها من قبل محاولة أن تتذكر موقفا مشابها.
قالت أخيرا: «ربما كان هذا الموقف يا فخامة السلطان مشابها لموقف بيثينيا بعد صعود الملك ميثريداتس.»
فقال السلطان: «استمري.» «طبقا للمؤرخ أبيان، كانت كل من بيثينيا وروما مهددتين من الملك ميثريداتس، ولكن تهديد ببيثينيا كان مباشرا. ولما كانت روما تعلم ذلك، فقد تمكنت من تحريض بيثينيا ضد ميثريداتس. خسر البيثينيون المعركة وتكبدوا خسائر فادحة، ولكن خسارتهم أعطت الرومان وقتا كي يستجمعوا قواهم.»
فكر السلطان للحظة. «إذا أطلقنا النيران على زوارق الطوربيد الروسية، فسوف نشعل فتيل معركة تصب في صالح ألمانيا ...»
قاطعها الصدر الأعظم قائلا: «فخامة السلطان، لقد استرعى انتباهي أمر غاية في الأهمية والسرية. هل يمكنني الحديث معك على انفراد؟»
الفصل العشرون
عندما أصبحت غرفة المقابلات خالية، نهض جمال الدين باشا من مقعده واقترب من أريكة السلطان. «ما الذي يدور في خاطرك يا جمال الدين باشا؟» «أرجو ألا تمانع في أن أتحدث بصراحة يا فخامة السلطان.» «تفضل.» «أرجو أن تعذرني لمقاطعة مقابلتك مع الآنسة كوهين، ولكن علي أن أقول يا فخامة السلطان إنني لا أظنه أمرا حكيما أن تطلب النصيحة من طفلة صغيرة.»
فربت عبد الحميد على الشعر خلف عنقه. «ولم ذلك؟» «أولا، وأهم ما في الأمر، أن الآنسة كوهين لا تفهم شيئا عن موقفنا السياسي أو علاقاتنا بالروس والألمان؛ هي نفسها اعترفت بذلك. وثانيا، من غير اللائق أن يطلب ملك النصيحة من طفلة صغيرة مهما تكن الظروف. وثالثا، فإننا لا نعلم شيئا عن اتجاهاتها السياسية، فربما ترسل الآن معلومات إلى منصف بك أو للكاهن مولر، وقد تكون هي نفسها جاسوسة للروس أو للرومانيين أو الفرنسيين ...»
قال السلطان: «أشكرك على وجهة نظرك في هذا الأمر. كالمعتاد فإنني أقدر نصيحتك، ولكنني في تلك الحالة أختلف معك.»
نظر جمال الدين باشا مرة أخرى في البرقية.
صفحه نامشخص