کارل پوپر: صد سال از روشنگری
كارل بوبر: مائة عام من التنوير
ژانرها
فلا يزال بوسعه أن يصف النفس على أنها «شبه جوهر»، أي على أنها ذلك الشيء الذي يبدو جوهريا لوحدة الشخص المسئول وديمومته.
إن ما يميز النفس (بعكس العمليات الكهروكيميائية للدماغ والتي تعتمد عليها النفس اعتمادا متبادلا ) هو أن جميع خبراتنا وثيقة الارتباط ومدمجة، لا بخبرات الماضي فحسب، بل أيضا ببرامج فعلنا المتغيرة، وتوقعاتنا، ونظرياتنا، أي بنماذجنا الشارحة عن البيئة المادية والثقافية، الماضية والحاضرة والمستقبلة، متضمنة المشكلات التي تطرحها علينا لتقييمها ولتطوير برامج فعلنا في ضوئها. غير أن كل هذه الأشياء تنتمي جزئيا على الأقل إلى العالم 3.
هذا التصور العلائقي للنفس يظل غير كاف تماما، وذلك بسبب الطبيعة الناشطة والتكاملية الصميمة للنفس. وحتى بالنسبة للإدراك الحسي والذاكرة، فإن نموذج «المدخل» (وربما «المخرج» أيضا) ليس وافيا تماما، إذ أن كل شيء يعتمد على برنامج متغير باستمرار: فهناك انتقاء نشط، وهضم نشط جزئيا وتمثل نشط، وكل من هذه العمليات يعتمد على تقييمات نشطة.
38 (11) وهم المصاعب الديكارتية في التفاعل المتبادل
بعد أن افترض ديكارت وجود جوهرين متمايزين تماما: العقل (ماهيته فكر) والمادة (ماهيتها امتداد)، تعذر عليه أن يفسر التفاعل الظاهر بينهما دون التورط في خرق قوانين البقاء. وقد ورث تابعوه نفس التركة التصورية فلم يجدوا بدا من نبذ مذهب التفاعل وتفسير العلاقة بين النفس والجسد تفسيرات تورطت هي أيضا في أخطاء أخرى خاصة بها.
ويرى بوبر أن الأمر الذي خلق المشكلة لديكارت ووضع العقبة الكئود ليس هو افتراض جوهرين متمايزين، بل هو تصوره الخاص عن العلية الفيزيائية. لقد تصور المادة جوهرا ممتدا والعالم آلة مادية تعمل بالدفع (التلامس/التصادم) كما تعمل الساعة. غير أن هذا التصور العتيق للعلية الفيزيائية قد تجاوزته الفيزياء الحديثة التي لم تعد تتحدث عن كثرة من الجوهر بل عن كثرة من شتى أنماط القوى، أي عن كثرة من شتى المبادئ التفسيرية المتفاعلة.
يرى بوبر أنه قد تغلب على مصاعب التفاعل الثنائي دون خرق لقوانين بقاء الطاقة. وأوضح أن بالإمكان مثلا أن تدار مركبة من الداخل دون انتهاك لأي قانون طبيعي، وأن تقاد من الخارج بالاعتماد على قوى طفيفة من مثل الإشارات اللاسلكية. وكل ما هو مطلوب عندئذ هو أن تحمل المركبة مصدرها الخاص من الطاقة.
يقول بوبر: «لعل أوضح مثال مضاد للدعوى القائلة بأنه لا يؤثر على الشيء إلا شيء مثله هو هذا: في الفيزياء الحديثة نجد أن تأثير الأجسام على الأجسام تتوسطه مجالات
Fields - مجالات جاذبية وكهربية. وهكذا فالشبيه لا يؤثر على شبيهه، بل إن الأجسام تؤثر أولا على المجالات وتعدلها، وعندئذ يؤثر المجال (المعدل) على جسم آخر.»
39
صفحه نامشخص