کارل پوپر: صد سال از روشنگری
كارل بوبر: مائة عام من التنوير
ژانرها
كيف يجيب بوبر عن سؤال هيوم؟ من الواجب أولا أن نلاحظ كيف يفسر سؤال هيوم. لقد اعتبره بحق لا مجرد مشكلة تعميم من حالات مفردة إلى جميع الحالات ، بل كمشكلة حول الاستدلال من حالات ماضية إلى حالة مستقبلية مفردة. وهو يوافق هيوم أيضا أن وصف اعتقادنا بشروق الغد بأنه احتمالي غير يقيني لا يحل المشكلة.
عندئذ يقول بوبر إن سؤال هيوم يجب أن تعاد صياغته، وهو يريد من إعادة الصياغة أن يحول المشكلة من سؤال عن حالات مفردة إلى سؤال عن نظريات تفسيرية كلية. وهو يجيب عن السؤال المعدل إجابته المتوقعة، وهي أن الملاحظات لا يمكن أن تبرر الدعوى بأن نظرية كلية هي نظرية صادقة، بل يمكنها فقط أن تتيح لنا القول بأنها كاذبة، وأن الملاحظات يمكن أن تبرر تفضيلنا لبعض النظريات على الأخرى.
غير أن نقاد بوبر أشاروا إلى أن هذا لا يبدو أنه إجابة عن سؤال هيوم! فالنظرية القائلة بأن الشمس تشرق كل يوم وإن كانت قد صمدت للتكذيب بالأمس، فهل يعد هذا سببا للاعتقاد بأنها سوف تصمد للتكذيب غدا؟ هذا هو ما أراد هيوم أن يعرفه.
يرد بوبر بأنه أجاب عن هذا السؤال. وجوابه: لا، الاستقراء ليس له من مبرر. فكون النظرية قد «تعززت» في الماضي «لا يفضي لنا بأي شيء مطلقا عن أدائها في المستقبل»، وإن أشد النظريات تعزيزا من الجائز أن تخفق غدا . «من الجائز تماما أن العالم كما نعرفه، بكل اطراداته الدالة من الوجهة العملية، قد ينهار تماما في الثانية القادمة.»
إن انهيار العالم بالطبع أمر ممكن، غير أن من الواضح أن لنا ما يبرر الرهان بثقل ضد حدوث الانهيار في الثانية القادمة حتى لو كان مبررنا الوحيد هو أن العالم لم يتقوض في أي ثانية سابقة من الثواني التي لدينا بها علم، وأننا لا نملك أساسا للاعتقاد بأن هذا الانهيار هو أكثر احتمالا في الثانية القادمة مما كان في أي ثانية أخرى.
أثبت هيوم رغم ذلك أن هذه الحجة المعقولة تفترض ببساطة أن الملاحظات الماضية تبرر بالفعل تنبؤات المستقبل. وعندما نحاول أن ندافع عن هذا الافتراض على أساس أن أولئك الذين افترضوا في الماضي أن المستقبل سوف يجيء على غرار الماضي قد تبين أنهم على صواب، فإننا نكون قد افترضنا مرة ثانية ما أردنا في الأصل أن نثبته. ومن ثم فهو افتراض قد يبدو من المحال أن ندافع عنه دون «دور منطقي» ومن المحال أيضا أن نتفادى اتخاذه.
يريد بوبر أن يقول إن بإمكاننا أن نتجنب افتراض أن المستقبل سوف يجيء (أو من المحتمل أن يجيء) على غرار الماضي، وهذا هو ما دعاه لأن يزعم أنه حل مشكلة الاستقراء. يقول بوبر إنني في غنى عن اتخاذ هذا الافتراض إذا انطلقنا من صياغة حدوس افتراضية وحاولنا أن نكذبها.
غير أن المسألة للأسف لم تحسم بعد. فإذا أنا لم أفترض أن انبثاق الماء من الصنبور في الماضي كلما أدرت المقبض هو سبب لأن أعتقد بأنه سينبثق اليوم، فمن الجائز لي بنفس الدرجة من المعقولية أن أمد الكوب تحت المصباح الكهربي بدلا من الصنبور! يرد بوبر على هذه المسألة البراجماتية بأننا يجب كأساس للفعل أن نفضل «النظرية الأفضل اختبارا». وهذا لا يمكن أن يعني أكثر من النظرية التي صمدت للتفنيد في الماضي، ولكن لماذا نفضلها عقليا ما دام بوبر يقول بأن التعزيز الماضي لا علاقة له بأداء النظرية في المستقبل؟ يقول بوبر إن من «العقلانية» أن نفعل ذلك، «بالمعنى الأوضح لي من معاني هذه الكلمة ... فأنا لا أعرف شيئا أكثر «عقلانية» من نقاش نقدي يدور بكفاءة.»
هكذا يقع بوبر في «المماحكة» اللغوية التي نذر نفسه لمناهضتها!
لقد طالما ازدرى فلسفة التحليل اللغوي إلى أن راقته الآن حجة الفلاسفة التحليليين المسماة
صفحه نامشخص