181

عرائس البيان في حقائق القرآن

عرائس البيان في حقائق القرآن

ژانرها

وإخلاصهم ألبس أسرارهم الصفاء ، فبين الوفاء والصفاء صاروا في الأخوة صادقين ، وفي المحبة مخلصين ، وفي الصحبة منصفين ، وفي المصادقة موقنين ، وفي الجملة الألفة بين قلوب الأصفياء بالتفاوت على مرسوم المقامات ، ومراتب الحالات (1).

وافهم أن الله تعالى إذا جمع الأرواح في مشاهدة قربة بعد إنشائها ، فأكرمها بعضا بإدراك مقام التوحيد ، وبعضا بمقام المعرفة ، وبعضا بمقام المحبة ، وبعضا بمقام المكاشفة ، وبعضا بمقام المشاهدة ، وبعضا بمقام الأنس والوجد والحالات ، والألفة بينهم على قدر قران مقاماتهم بعضها بعضا ، وجعل الجميع بعضهم على بعض رحمة وهداية وعصمة ، كما قال عليه السلام : «المرء كبير بأخيه» (2).

وقال عليه السلام : «المؤمنون كالبنيان تشد بعضهم بعضا» (3).

فمن وافق في مشهد الأزل على مدارج جميع المقامات صار بين الأقران محبوبا ومعشوقا وإماما بما وجد أصول حقائق القوم وإدراك حقيقة مقاماتهم ، ومن لم يبلغ جميع المقامات صار حاله بخلاف ذلك ، فالتآلف أوصاف الأولين ، والتناكر نعوت الآخرين ؛ لأن أرواحهم احتجبت بعضهم بعضا ، كما قال صفير الصفات ، وسفير مشاهد أسرار الذات ، سيد البريات ، وقائم قوائم مهاد الأزليات ، صلوات الرحمن عليه : «الأرواح جنود مجندة ، فما تعارف منها ائتلف ، وما تناكر منها اختلف» (4).

قيل : كنتم أعداء بملازمة حظوظ أنفسكم ، فألف بين قلوبكم ، وأزال عنكم حظوظ النفس وردكم منها إلى حظ الحق فيكم.

وقوله تعالى : ( وكنتم على شفا حفرة من النار فأنقذكم منها ) أي : كنتم في قعر بحار غضب الأزل امتحانا لا حقيقة ، فأنقذكم منها عصمة رضا القدم المنعوت بعناية شرفكم ، واصطفاء نيتكم بالمعارف والكواشف ، وذاك قوله : «سبقت رحمتي غضبي» (5).

وأيضا أي : كنتم محجوبين بعوارض بشريتكم ، محترقين بنيران شهواتكم ، فأنقذكم منها أنوار المعرفة ، وسنا الأزلية ، وضياء القربة ، وأذاقكم طعم شراب وصلته ، حتى صرتم في طلب مزيد الوصال إخوان كل عاشق محب صادق في طلب رضاه.

صفحه ۱۹۱