133

عرائس البيان في حقائق القرآن

عرائس البيان في حقائق القرآن

ژانرها

فاتبعوني يحببكم الله ): «على البر والتقوى والتواضع ، وذلة النفس» (1).

وسئل عمرو بن عثمان المكي عن المحبة! قال : المحبة في نفسها أصلها التواضع في القلوب من لطف المعاني التي يعاينها من المحبوب على شرط ما تعلقت به.

وسئل سهل بن عبد الله : ما علامة المحبوب؟ فقال : ألا يزال لسانه ذاكرا لحبيبه مشغوفا به ، مستأنسا مسرورا به ، حامدا شاكرا له ، وجوارحه مشغولة بمرضاة حبيبه ، فهو المحب له ، والمرضي عنه.

وقال الأستاذ : المحبة تشير إلى صفاء الأحوال ، والمحبة توجب الاعتكاف بحضرة المحبوب بالسر ، ويقال : أحب البعير إذا استناخ ، فلا يبرح بالضرب ، وللحب حرفان حاء وباء ، والإشارة بالحاء إلى الروح ، والإشارة من الباء إلى البدن ، والمحب لا يدخر عن محبوبه لا قلبه ولا بدنه.

قوله تعالى : ( إن الله اصطفى آدم ونوحا ) الآية اصطفى آدم بعلم الصفات ، وكشف جمال الذات قبل خلق الخلق في أزل الأزل ، فإذا أراد خلق روحه نظر بجماله إلى جلاله ، ونظر بجلاله إلى جماله فظهر بين النظريين روح آدم فخلقها بصفة الخاص ، ونفخ في روحه روحا ، وهو علم الصفات بفعل الخاص الذي يتعلق بالذات ، وخلق أيضا صورته بصفة الخاص ، ونفخ فيها روح الأول وروح الثاني ، فوصف روحه فقال : ( ونفخت فيه من روحي ) [الحجر : 29] ووصف صورته فقال : ( خلقت بيدي ) [ص : 75] فسبق بهذه الصفات من الملائكة الكرام البررة ، وألبسه خلعة خلافته ، وأسجد له ملائكته لأجل هذا التخصيص كرامة له وتشريفا وتفضيلا على مشايخ الملكوت ، وقال : ( إني جاعل في الأرض خليفة ) [البقرة : 30] ، وقال : ( اسجدوا لآدم ) [البقرة : 34] لا تؤثر في نعوت الأزل طوارقات الحدوث ما دام الاصطفاء بهذه الصفة سابق له ، وأيضا اصطفاهم لنفسه عن خلقه لموقع الخطاب ، وكشف النقاب لاستعدادهم تحمل أثقال أمانته ، والتعمق في بحار أزليته ، والسيران في ميادين وحدانيته ، والطيران في هواء فوقانيته لطلب كشف أحديته ، وجمال سرمديته ، والإشارة في نوح عليه السلام وآل إبراهيم عليه السلام أن الاصطفاء من سبب المحبة الأزلية لا من جهة الأنساب الحديثة ، كما قال الأستاذ رحمة الله عليه : اتفق آدم وذريته في الطبقة وإنما الخصوصية بالاصطفاء الذي هو من قبله لا بالنسب والسبب.

وقال الفارس : اصطفاهم على الناس لثبوته ، واستخلصهم لرسالته ، فهم المبعوثون إلى

صفحه ۱۴۳