عرب هذا الزمان: وطن بلا صاحب
عرب هذا الزمان: وطن بلا صاحب
ژانرها
ووصينا الإنسان بوالديه حسنا (العنكبوت: 8). وهو ما حاولت الحركات الحديثة إبرازه، خاصة إقبال.
لذلك ظل الغرب يزهو علينا بأنه وحده الذي أعطى العالم مفهوم حقوق الإنسان منذ نشأة النزعة الإنسانية في القرن السادس عشر عند أراسموس والكوجيتو الدي كارتي «أنا أفكر فأنا إذن موجود» في القرن السابع عشر، والإنسان مركز الكون في الثورة الكوبرنيقية عند كانط، ومثال من مثل التنوير في الثورة الفرنسية في القرن الثامن عشر. وصور الشعراء كما فعل شيلي في «برمثيوس طليقا» بعد أن قيده آلهة اليونان لأنه أراد سرقة نار العلم ونور المعرفة. صحيح أن الإنسان هو الإنسان الغربي في الممارسة، الإنسان الأبيض القوي المتحضر، النموذج الأوحد، السوبر مان، وليس الإنسان الأفريقي الآسيوي، الأسود أو الأسمر أو الأصفر.
وصحيح أيضا أنه مجرد فرد لا جماعة. يدافع الغرب عن حقوق الإنسان وينتهك حقوق الشعوب. أعطى للعالم «الإعلان العالمي لحقوق الإنسان»، ولكنه نسي «الإعلام العالمي لواجبات الإنسان». في الغرب حقوق بلا واجبات، ولدينا واجبات بلا حقوق.
الدولة والثقافة
يبدو أنه لا يوجد حل للأزمة العربية الراهنة على الأمد القصير؛ فالأزمة تتفاقم يوما بعد يوم، والسكون العربي لم يتغير، ووهم العجز العربي ما زال مستمرا، والتغيرات الكيفية لا تحدث إلا إذا وصل التراكم الكمي إلى حده الأقصى في سورية ولبنان والسودان والصومال وإيران، وتفجير المنطقة العربية كلها إلى شظايا يسهل ابتلاع القوى العالمية والمحلية لها، كما حدث في تفتيت دولة الخلافة بعد الحرب العالمية الأولى واحتلال معظم ممتلكات «الرجل المريض». ولم يشفع البديل، القومية العربية، في لم الشتات إلا إلى حين، عقدين من الزمان، بداية بثورة يوليو في أوائل الخمسينيات، ونهاية بهزيمة يونيو (حزيران) 1967م في نهاية الستينيات.
لم يبق إذن إلا العمل على الأمد الطويل، واستعداد لمرحلة قادمة قد تكون أشد وأصعب؛ فقد تعودت القوى الكبرى اللعب في الوطن العربي على مدى أربعة عقود ظانة أن الساحة خالية أمامها؛ أوطان تحتل، ونظم سياسية عاجزة أو تابعة أو مغلوبة على أمرها، أو فقدت الخيال السياسي، أو قنطت من رحمة الله.
والعمل على الأمد الطويل هو العمل الثقافي؛ إعداد وجدان الأمة للنهوض من جديد.
وكما بدأت الأمة بالفكر، وتغيير رؤيتها للعالم ومعاييرها للسلوك؛ أي انتفاضة الذهن، وثورة العقل، والنقد الحضاري للماضي والحاضر، فإنها قادرة اليوم من جديد على إحداث ثورة فكرية ثانية. وتبدأ هذه المرة بالمفكرين الأحرار بعد أن بدأت في تجربتها الأخيرة منذ أكثر من نصف قرن بالضباط الأحرار. والبداية بالفكر الحر هو الشرط الأول لقيام المجتمع الحر. هكذا بدأ التنوير قبل اندلاع الثورة الفرنسية، وامتدت آثاره حتى اندلاع الثورة الأمريكية، وانتشرت الأفكار الاشتراكية قبل اندلاع الثورة البلشفية، وظهر الإسلام الوطني قبل اندلاع حركات التحرر الوطني منذ الأفغاني حتى اليوم، وتأسس الإسلام الثوري قبل اندلاع الثورة الإسلامية في إيران.
توقف العامل الثقافي عن أن يكون عاملا فعالا بعد تأسيس الدولة الوطنية الحديثة وتحويل الثقافة إلى إعلام. وظيفتها تبرير النظام السياسي. إن اختار النظام الاشتراكية فثقافتها اشتراكية، وإن بدل إلى رأسمالية فثقافتها رأسمالية، وإن كان قوميا فثقافتها قومية، وإن بدل إلى قطرية فثقافتها قطرية. فقدت الثقافة استقلالها، وأصبحت جزءا من إعلام الدولة بعد أن سيطرت الدولة عليه.
وأسست «وزارة الثقافة والإعلام»، وأحيانا يضاف «والإرشاد القومي». ولم ينج من ذلك إلا بعض المثقفين الذين آثروا الابتعاد عن الساحة الوطنية ، والأدباء؛ فمنهم عبروا عن ضيقهم بلغة الأدب الرمزية تخفيا من عين الرقيب. والتأويل متعدد، وحماية النفس ضرورية.
صفحه نامشخص