عرب هذا الزمان: وطن بلا صاحب
عرب هذا الزمان: وطن بلا صاحب
ژانرها
وقد يتجاوز الاستقطاب المستوى الديني الاجتماعي إلى المستوى الديني السياسي في عدة موضوعات أخرى. الإبقاء على مادة الشريعة المصدر الرئيسي للتشريع في الدستور أم إلغاؤها؟ إبقاؤها يرضي المؤمنين حتى ولو كانت صورية فارغة من أي مضمون؛ فما يقع في البلاد من فساد وقهر في الداخل وتبعية وتحالف مع أعداء الأمة في الخارج ضد الشريعة. وإلغاؤها يرضي العلمانيين؛ فالدستور للجميع وليس للمسلمين فقط، وبالبلاد أقباط لا تطبق الشريعة الإسلامية عليهم طبقا للشريعة ذاتها. ويحتدم الخلاف، وتنقسم الأمة على موضوع شكلي وإن كانت له دلالة رمزية، وتخاطر بوحدة عنصري الأمة المسلمين والأقباط، وينفر الناس من الشريعة إذا كان المقصود منها تطبيق الحدود دون إعطاء الحقوق. والشريعة واجبات وحقوق؛ فلا رجم إلا إذا توفرت للشباب إمكانيات الزواج المبكر، ولا قطع ليد إلا إذا توفرت له أسباب الحياة الكريمة من عمل وكسب ومسكن وتعليم وعلاج؛ أي الحاجات الأساسية للمواطن.
دولة دينية أم دولة مدنية؟ وهو استقطاب مقنع يخفي صراعا سياسيا بين الحكومة والإخوان. الحكومة تتهم الإخوان بالقول بالدولة الدينية، وهو مضاد للدستور الذي يمنع من تأسيس أحزاب سياسية على أسس دينية حماية للوحدة الوطنية. والإخوان يتهمون الحكومة بالدولة المدنية التي تطبق القانون الوضعي الذي قد يتعارض أحيانا مع الشريعة الإسلامية. والإخوان يقولون بالدولة المدنية، وتدخل في معترك الحياة السياسية كحزب مدني، الانتخابات والبرلمان. وتطالب بتعديل الدستور حفاظا على الحريات العامة وقواعد الديمقراطية وتداول السلطة كما تفعل باقي أحزاب المعارضة. والحكومة تمارس دور الدولة الدينية باستعمال الرموز الدينية في أجهزة الإعلام وجهاز الدولة وصفات الرئيس المؤمن.
سني شيعي؟ كلما اشتدت المقاومة العراقية في العراق، وغرقت القوات الأمريكية في رماله، كما غرقت من قبل في أوحال فيتنام، تحول الصراع بين المقاومة والاحتلال إلى الصراع بين السنة والشيعة. وبدلا من الحديث عن مآسي الاحتلال، يتم الحديث عن الخطر الشيعي على العراق والخليج وعلى أهل السنة بالإجماع. وكما تتزعم إيران المذهب الشيعي، تتزعم السعودية أو باكستان المذهب السني. وتقام أحلاف جديدة على أساس مذهبي سني شيعي، وليس على أساس وطني؛ استقلال وتبعية. ومع الخطر الشيعي الإيراني يأتي الخطر النووي الإيراني، وكأن الخطر الإسرائيلي لم يعد هو الخطر الأول.
ويزيد الاستقطاب الديني والاجتماعي والسياسي الاستقطاب الرياضي بين الأندية الرياضية، خاصة فرق كرة القدم. وتخرج المظاهرات في الشوارع تحمل الأعلام الحمراء ليس دفاعا عن الاشتراكية، والأعلام البيضاء ليس من أجل السلام. وتملأ أخبار النجوم والرياضة الصحف والمجلات أكثر من صور الشهداء وأبطال المقاومة.
وإن كان لا بد من الاستقطاب في الداخل فلا أحد يتحدث عن الاستقطاب بين القاهر والمقهور، بين الظالم والمظلوم، بين الأغنياء والفقراء، بين دعاة التوريث وأنصار تداول السلطة.
إن الاستقطاب ضد الحوار، كما أن التوحيد ضد الخلاف. وبدلا عن الاستقطاب الحوار بين وجهات النظر المتعددة. الاختلاف حق شرعي، وحله بالحوار الوطني، والاجتماع على حد أدنى من المصالح الوطنية ضد مخططات التجزئة والتقسيم. ولماذا تقع الأوطان بين المطرقة والسندان؛ مطرقة عوامل التفتيت العرقي والمذهبي والطائفي من قبل القوى الخارجية، وعوامل الاستقطاب الداخلي بفعل القوى الداخلية؟ ولماذا تصبح الثقافة الوطنية ضحية بين عجز أبنائه وجهل علمائه؟
العلمانية والسلفية
بعد تخلي مصر عن دورها الإقليمي في الوطن العربي والعالم الإسلامي، وانكماشها وانكفائها على ذاتها، والسعي وراء لقمة العيش، وضمور الخيال السياسي، ونسيان الدوائر الثلاث، العربية، والأفريقية الآسيوية، والإسلامية، التي تطبقها إسرائيل الآن باحتلالها مركز مصر في أفريقية وآسيا. أصبحت تركية وإيران أهم دولتين إقليميتين حول مصر، شمالا وشرقا. تتفاوض معها قوى الهيمنة الجديدة، الولايات المتحدة الأمريكية، على قضايا الوطن العربي في فلسطين والعراق، بل والعالم الإسلامي في أفغانستان.
وكما تحتاج مصر إلى ثقتها بنفسها وبقدرتها على التأثير في محيطها وفي مجالها الحيوي، تحتاج تركية وإيران أيضا إلى إعادة بنائهما من الداخل. تحتاج تركية إلى إعادة النظر في تاريخها الحديث منذ إلغاء الخلافة في 1923م وتبني النموذج الغربي. كما تحتاج إيران منذ ثورتها المعاصرة في 1979م إلى إعادة تكوين جبهتها الداخلية حتى تكون ركيزة تحديها لقوى الهيمنة الخارجية.
كان الضابط مصطفى كمال على حق أولا في القيام بثورته ضد نظام الخلافة الذي أدى في رأيه إلى احتلال اليونان لتركية حتى أبواب أنقرة، وقد كانت تركية من قبل باسم الخلافة على أبواب فيينا.
صفحه نامشخص