8
والهوية أيضا «الأمر المتعقل من حيث امتيازه عن الأغيار».
9
نعود إلى معنى الوجود نستكمل التعريف به، فنقول إنه أول المعاني إطلاقا، خلافا لما ذهب إليه بعض الفلاسفة المحدثين
10
من أن أبسط المعاني وأولها هو معنى الإضافة أو النسبة. وتتلخص حجتهم في قولهم: إن معنى الوجود يدعو معنى اللاوجود، وكلاهما بحاجة إلى الآخر، فليس هذا ولا ذاك ببسيط. أما النسبة القائمة بين المعنيين، أي النسبة الخالصة الخالية من كل تعيين وجودي، فهي أبسط منهما، وما من معنى إلا وهو يعرب عن نسبة إلى معنى آخر. وفي معنى النسبة يتحد الاثنان، ومن هنا المراحل الثلاث التي أبان عنها هجل، وهي القضية ونقيضها والمركب منهما. فالنسبة هي التي يجب أن تكون موضوع ما بعد الطبيعة.
هذه الأقوال الرامية إلى تأييد نسبية المعرفة الإنسانية ليس أيسر من الرد عليها، فمن جهة واحدة نقول: إن معنى النسبة لاحق على المعنيين المتقابلين فيه، كمعنى الوجود واللاوجود، أو أي معنيين آخرين، من حيث إن النسبة لا تنشأ إلا بعد تعقلهما، فهي تعتمد عليهما وتتضمنهما، وإذن ليست هي المعنى الأبسط، وإنما هي أعقد منهما. ومن جهة أخرى نسلم أن معنى اللاوجود يدعو معنى الوجود، أي إنه يعقل كوجوب مسلوب. ولكن العكس غير صحيح، فإن معنى الوجود مستقل عن معنى اللاوجود، وهذا المعنى الثاني هو الذي يستند على الأول، وهو لا يحد إلا بنفي الوجود، فنقول: «لا وجود»، بينما الوجود هو ما هو، ولا يحد إلا بنفسه، فهو الذي يجب أن يكون موضوع ما بعد الطبيعة. (2) دلالة اسم الوجود
بيد أن هذا الموضوع يبدو كأنه لا يشبه سائر الموضوعات التي تنطبق على جزئياتها بنفس المعنى، فيوفر كل منها للعلم الدائر عليه الوحدة اللازمة لتقرير قضايا كلية تستوعب الجزئيات في ماصدقها. هكذا ارتأى بعض الفلاسفة وبعض المتصوفة، قالوا: لما كان الله وحده هو الوجود بالذات ومن ثمة هو الموجود بمعنى الكلمة، فما عداه لا وجود له، وإنما هو مظاهر لله وتجليات. فالتغاير بين الله والمخلوقات، وبين المخلوقات بعضها والبعض، يمنع من إطلاق اسم الوجود إلا باشتراك محض، كما يطلق اسم العين على العين الباصرة وعين الماء والدينار والجاسوس والنابه في قومه، بحيث تكون الوحدة في الاسم فقط، ويكون بين المسميات تغاير تام. وهذا التغاير يقصر علم ما بعد الطبيعة على الله وحسب، أو يقضي على هذا المسمى علما بالتشتت والعبث لعدم انطباقه على موضوع واحد، فإن «القضية التي موضوعها اسم مشترك ليس يلغى لها محمول ذاتي».
11
وجوابنا على هذا الرأي أن الوجود بالذات يستتبع فقط أن الوجود يقال على الله أولا، ولا يستتبع لا وجود ما عدا الله، ولا يمنع أن ما عدا الله موجود بالله وجودا حقا. إن الوجود يقال كمحمول ذاتي على كل موجود، سواء أكان بذاته كالله، أو بالله، ولكن في ذاته كالجوهر الحادث، أو في غيره كالعرض في الجور، أو ذهنيا له وجود في الذهن مع عدم تحققه في الخارج أو استحالة تحققه.
صفحه نامشخص