أكل كنديد ونام مع جميع تلك المصائب، وفي الغد تأتيه العجوز بالفطور، وتكشف عن ظهره وتدلكه بمرهم آخر، ثم تأتيه بالغداء، ثم ترجع إليه مساء ، جالبة العشاء له، ولما كان اليوم التالي قامت بذات الأعمال أيضا، وما فتئ كنديد يسأل: «من أنت؟ من الذي ألهمك هذا الصلاح البالغ؟ أي شكران يمكنني أن أقابلك به؟»
ولا تجيب العجوز الصالحة عن ذلك بشيء، وتعود مساء من غير أن تكون جالبة عشاء، وتقول له: «تعال معي، ولا تنطق بكلمة»، وتأخذه من ذراعه، وتسير معه في الحقول المجاورة نحو ربع ميل، ويصلان إلى منزل منعزل محاط بحدائق وقنوات، وتقرع العجوز بابا صغيرا فيفتح، وتأتي بكنديد من سلم سري إلى غرفة مذهبة، وتتركه على متكأ من ديباج، وتغلق الباب وتنصرف، ويظن كنديد أنه يحلم، وتتمثل له حياته حلما مزعجا، ويرى الساعة الحاضرة حلما لذيذا.
وتظهر العجوز من فورها مرة أخرى، وكانت تسند بمشقة امرأة مرتعشة مبرقعة ذات قامة رائعة وذات جواهر ساطعة، وتقول العجوز لكنديد: «ارفع هذا البرقع»، ويتقدم الرجل الشاب، ويرفع البرقع متهيبا، يا لها من ساعة! يا لها من مفاجأة! يظن أنه يرى الآنسة كونيغوند، لقد رآها فعلا، هي هي، وتخور قواه، ولم يستطع أن ينطق بكلمة، ويقع على قدميها، وتقع كونيغوند على المتكأ، وتسعفها العجوز بسوائل روحية، ويعود إحساسهما إليهما، ويأخذان في الحديث، وأول ما صدر عنهما كلام متقطع وأسئلة وأجوبة متداخلة وتنهدات وعبرات وصيحات، وتوصيهما العجوز بأن يكونا أقل ضوضاء، وتدعهما وحدهما.
ويقول كنديد: «ماذا؟ أأنت؟ لا تزالين حية! أجدك في البرتغال! إذن لم تغتصبي! لم يبقر بطنك قط، خلافا لما رواه لي الفيلسوف بنغلوس موكدا.»
وتقول كونيغوند الحسناء: «أجل، لقد وقع ذلك، غير أن هذين الحادثين لا يفضيان إلى الموت في كل وقت.» - «ولكن، ألم يقتل أبوك وأمك؟» وتقول كونيغوند باكية: «بلى، لقد قتلا.» - «وأخوك؟» - «لقد قتل أيضا.» - «ولم أنت في البرتغال؟ وكيف علمت أنني في هذا البلد؟ وبأية مغامرة غريبة أوجبت سوقي إلى هذا المنزل؟»
وتجيب السيدة: «سأقص عليك جميع هذا، ولكنه يجب قبل أن أفعل هذا أن تنبئني بجميع ما وقع لك منذ القبلة البريئة التي طبعتها علي، وما تلقيته من ركلات.»
ويطيع كنديد مع احترام عميق. وعلى ما كان من اضطرابه، ومن ضعف وارتجاف في صوته، وعلى ما بقي من ألم في فقاره، فإنه قص عليها - بأبسط ما يمكن - جميع ما ابتلي به منذ افتراقهما.
وترفع كونيغوند عينيها إلى السماء، وتسكب عبرات حزنا على موت التعميدي الصالح وعلى موت بنغلوس، ثم حدثت بهذه العبارات كنديد الذي لم تفته أية كلمة، والذي كان يلتهمها بعينيه.
الفصل الثامن
قصة كونيغوند
صفحه نامشخص