فانصرف وهو يكره أن يعلم رسول الله وبنو هاشم بذلك فيشمتوا.
وهيأ الله سبحانه الأسباب لإبطال الصحيفة وفك الحصار ، وذلك : أن هشام بن عمرو بن الحارث كان ذا شرف في قومه ، فكان يأتي بالبعير ليلا وقد أوقره طعاما وبنو هاشم وبنو المطلب في الشعب فيدخل به إليهم ثم يعود ويأتي مرة أخرى وقد أوقره تمرا ، وفي ذات يوم أقبل إلى زهير بن أمية المخزومي فقال : يا زهير ، أرضيت أن تأكل الطعام وتشرب الشراب وتلبس الثياب .. وأخوالك حيث قد علمت! يبتاعون ولا يبتاع منهم ولا يواصلون ولا يزارون ، أما اني أحلف لو كان أخوال أبي الحكم ودعوته إلى مثل ما دعاك إليه منهم ما أجابك أبدا!
فقال : ويحك يا هشام ، فماذا أصنع؟ إنم أنا رجل واحد ، والله لو كان معي رجل آخر لقمت في نقض هذه الصحيفة القاطعة. قال : قد وجدت رجلا. قال : من هو؟ قال : أنا. قال زهير : ابغنا ثالثا. فذهب زهير إلى المطعم بن عدي فقال : يا مطعم ، أرأيت أن يهلك بطنان من عبد مناف جوعا وجهدا وأنت شاهد على ذلك. موافق لقريش فيه!؟ أما والله لئن أمكنتموهم من هذا لتجدن قريش إلى مساءتكم في غيره سريعة. قال : ويحك ، ماذا أصنع ، إنما أنا رجل واحد! قال : وجدت ثانيا ، قال : من هو؟ قال : زهير بن أمية. فصاروا ثلاثة. فقال له المطعم : ابغنا رابعا. فذهب إلى أبي البختري بن هشام وقال له مثلما قال للمطعم ، قال : هل من أحد يعين؟ قال ، نعم ثم عدد له الأسماء ، فقال له : فابغنا خامسا. فمضى إلى زمعة بن الأسود بن المطلب فكلمه فقال : وهل يعين على ذلك أحد؟ قال : نعم ، ثم عدد له القوم وسماهم ، فاتفقوا أن يلتقوا في مكان يقال له حطم الحجون ليلا بأعلى مكة فأجمعوا أمرهم وتعاهدوا على القيام في الصحيفة حتى ينقضوها.
قال زهير : أنا أبدأكم وأكون أولكم يتكلم ، فلما أصبحوا غدوا إلى أنديتهم وغدا زهير بن أبي أمية وعليه حلة له ، فطاف بالبيت سبعا ، ثم أقبل
صفحه ۵۱