١١٧٧ق.م.: عام انهيار الحضارة
١١٧٧ق.م.: عام انهيار الحضارة
ژانرها
من ناحية أخرى، علينا أيضا أن نسأل عما إذا كان الملك المصري كان يعرف أن الشحنات التي كان يرسلها لم تكن ذهبا بالفعل، وإذا كان هذا التصرف عن عند، أو ما إذا كان التجار والمبعوثون معدومو الضمير يستبدلون الذهب الحقيقي في الطريق. شك بورنا بورياش في وقوع الاحتمال الأخير في حالة الأربعين منا من الذهب المذكورين عاليه، أو على الأقل عرض على إخناتون مخرجا دبلوماسيا من الموقف المحرج، وكتب: «الذهب الذي يرسله لي أخي، ينبغي ألا يسلمه أخي إلى عهدة أي نائب. ينبغي أن يجري أخي تحققا [شخصيا] [من الذهب]، ثم ينبغي على أخي أن يختمه ويرسله إلي. بالتأكيد، لم يتحقق أخي من الشحنة السابقة من الذهب التي أرسلها إلي. ثم إن نائبا لأخي هو من ختمه وأرسله إلي.»
32
يبدو أيضا أن القوافل المحملة بالهدايا والمرسلة بين الملكين كثيرا ما كانت تتعرض للنهب في الطريق. يكتب بورنا بورياش عن قافلتين كان سالمو، رسوله (وربما كان ممثله الدبلوماسي) مسئولا عنها، ويقول بأنه يعرف أنهما نهبتا. بل إنه يعرف المسئول عن ذلك: رجل يسمى بيرياوازا كان مسئولا عن السرقة الأولى، ورجل يفترض أن اسمه باماهو (من المحتمل أنه اسم مكان خلط بينه وبين اسم شخص) ارتكب الثانية. يسأل بورنا بورياش متى سيلاحق إخناتون مرتكب الواقعة الأخيرة، بالنظر إلى أنها كانت ضمن نطاق ولايته، ولكنه لم يتلق ردا، على الأقل بقدر علمنا.
33
علاوة على ذلك، ينبغي ألا ننسى أن هذه المبادلات للهدايا العالية المستوى ربما كانت لا تمثل سوى غيض من فيض من التعامل التجاري. قد يكون الوضع التالي، الحديث نسبيا، وضعا مشابها. في عشرينيات القرن الماضي، درس عالم الأنثروبولوجي برونيسواف مالينوفسكي سكان جزر تروبرياند الذين كانوا مشاركين فيما يطلق عليه حلقة كولا في منطقة جنوب المحيط الهادئ. في هذا النظام، كان زعماء الجزر يتبادلون شارات الأذرع والقلائد المصنوعة من الأصداف، مع انتقال شارات الأذرع دائما في اتجاه واحد حول الحلقة وانتقال القلائد في الاتجاه الآخر. كانت قيمة كل غرض تزيد وتنقص اعتمادا على سلسلة نسب مالكيها وتاريخ ملكيتها السابق (الذي يشير إليه علماء الآثار حاليا على أنه «سيرتها»). اكتشف مالينوفسكي أنه في نفس الوقت الذي كان فيه الزعماء في المراكز الاحتفالية يتبادلون شارات الأذرع والقلائد تبعا لمظاهر الأبهة التقليدية، كان الرجال الذين كانوا يعملون كأطقم على قوارب الكانو التي نقلت الزعماء مشغولين بالمتاجرة في الطعام، والماء والسلع الحياتية الضرورية الأخرى مع السكان المحليين على الشاطئ.
34
هذه المعاملات التجارية المعتادة كانت هي الدوافع الاقتصادية الحقيقية المنطوية عليها عمليات تبادل الهدايا الاحتفالية التي كان يقوم بها زعماء جزر تروبرياند، ولكنهم ما كانوا ليعترفوا بتلك الحقيقة أبدا.
وبالمثل، ينبغي ألا نقلل من أهمية الرسل، والتجار، والبحارة الذين كانوا ينقلون الهدايا الملكية وغيرها من الأصناف عبر صحارى الشرق الأدنى القديم، وربما أيضا عبر البحار إلى منطقة إيجه. من الواضح أنه كان ثمة قدر كبير من الاتصال بين مصر والشرق الأدنى ومنطقة إيجه أثناء العصر البرونزي المتأخر، ومما لا شك فيه أن الأفكار، والابتكارات كانت تنقل أحيانا مع الأغراض المادية. مما لا شك فيه أن عمليات نقل الأفكار هذه لم تجر في المستويات العليا من المجتمع فحسب، بل أيضا في خانات وحانات الموانئ والمدن على امتداد طرق التجارة في اليونان، ومصر، ومنطقة شرق المتوسط. وإلا فأين سيمضي بحار أو أحد أفراد طاقم وقت انتظار تحول الريح إلى الجهة المرادة أو إنهاء بعثة دبلوماسية لمفاوضاتها الحساسة، إلا في تبادل الأساطير والقصص الخرافية والحكايات الطويلة؟ ربما ساهمت تلك الأحداث في انتشار التأثيرات الثقافية بين مصر وبقية منطقة الشرق الأدنى، وحتى عبر منطقة إيجه. ويمكن لهذا النوع من التبادل أن يفسر أوجه التشابه بين «ملحمة جلجامش» و«إلياذة» و«أوديسة» هوميروس المتأخرتين عنها زمنيا، وبين «أسطورة كوماربي» الحيثية و«ثيوجونيا» هسيود المتأخرة عنها زمنيا.
35
يجدر أيضا أن نشير إلى أن عمليات تبادل الهدايا بين حكام منطقة الشرق الأدنى أثناء العصر البرونزي المتأخر كثيرا ما اشتملت على أطباء، ونحاتين، وبنائين، وعمال مهرة، والذين كانوا يرسلون فيما بين بلاط الملوك المختلفين. من غير المستغرب وجود بعض أوجه التشابه بين الهياكل المعمارية في مصر، والأناضول، وكنعان، وحتى في منطقة إيجه، إذا كان نفس المهندسين المعماريين والنحاتين والحجارين يعملون في كل منطقة من تلك المناطق. تشير الاكتشافات الأخيرة للوحات الجدارية والأرضيات المرسومة ذات الأسلوب الإيجي في منطقة تل الضبعة في مصر، المذكورة في الفصل السابق، بالإضافة إلى الاكتشافات في تل كابري في إسرائيل، ومدينة ألالاخ في تركيا، وموقع قطنة في سوريا، إلى أنه من الممكن أن يكون الحرفيون الإيجيون قد شقوا طريقهم إلى مصر ومنطقة الشرق الأدنى منذ القرن السابع عشر وربما في وقت متأخر كالقرن الثالث عشر قبل الميلاد.
صفحه نامشخص