عالمات أوروبيات في الكيمياء
عالمات أوروبيات في الكيمياء
ژانرها
بريجيت فان تيجلين
كانت سنة 2009 سنة مميزة في تاريخ إنجازات المرأة: خمس من بين الثلاثة عشر الذين حصلوا على جائزة نوبل كن من النساء. كان من بين هؤلاء الخمس عالمة البلورات عادا يونات، البالغة من العمر وقتها سبعين عاما. عندما بدأت بحثها كانت تعرف أن الموضوع شديد الأهمية بحيث إذا حققت فيه إنجازا، فسيكون هناك احتمال أن تحصل على جائزة نوبل، ولكنها كانت تعرف أيضا أنه موضوع شديد الصعوبة وأنها ستظل وحيدة في هذا المسار لفترة طويلة؛ نظرا لأن درجة صعوبة تحقيق شيء في هذا الموضوع كانت شبه مستحيلة. •••
ولدت عادا في 1939 في القدس لأبوين بولنديين صهيونيين هاجرا قبل ولادتها، وكان والدها حبرا، وصاحب متجر بقالة أداره مع زوجته، وكانت عادا مغرمة بالعلم منذ نعومة أظفارها، حتى إنها كانت تجري تجارب بنفسها في المنزل. توفي والدها وهي في العاشرة من عمرها وانتقلت والدتها إلى تل أبيب مع ابنتيها. وعلى الرغم من الصعوبات المالية؛ ونظرا لأن عادا كانت تتمتع بزمالة كريمة، سمح لعادا بالدراسة في مدرسة ثانوية متميزة. وبعد عودة عادا من الخدمة العسكرية بدأت دراسة الكيمياء وحصلت على درجة الماجستير في الفيزياء الحيوية من الجامعة العبرية بالقدس وعلى درجة الدكتوراه في علم دراسة البلورات بالأشعة السينية من معهد وايزمان الشهير في رحوفوت. وشغلت مناصب بعد الدكتوراه في معهد ماساتشوستس للتكنولوجيا وفي جامعة كارنيجي ميلون، وبمجرد أن عادت إلى إسرائيل في 1970، أسست في معهد وايزمان، أول معمل للتصوير البلوري للبروتين. وبعد عودتها من إجازة لمدة سنة للدراسة في جامعة شيكاجو، رأست أيضا لمدة 17 عاما مجموعة عمل ماكس بلانك في تركيب الريبوسوم في مركز تزامن الإلكترونات الألماني في هامبورج بألمانيا، بالتوازي مع أنشطتها البحثية في وطنها. تشغل منصب أستاذ في معهد مارتن وهيلين كيمل، وترأس مركز هيلين وميلتون إيه كيملمان لتجميع وتركيب الجزيئات الحيوية في معهد وايزمان للعلوم. واستثمرت هيلين كيملمان أموالها في أبحاثها منذ 1988، كما أسهمت معاهد الصحة الوطنية الأمريكية في تمويل أعمالها في إسرائيل لأكثر من 20 عاما.
عادا يونات (المصدر: ميشلين بيليتير).
منحت جائزة نوبل في الكيمياء عام 2009 لعادا يونات وتوماس ستايتز وفينكاترامان راماكريشنان على التصوير التفصيلي للريبوسوم حتى الوصول إلى المستوى الذري. يحتوي كل جسم حي على عدد مدهش (مليارات) من البروتينات المختلفة التي تكون الأنسجة الحية (على سبيل المثال، الكولاجين هو بروتين البشرة) وتطلق أو تتحكم في التفاعلات الكيميائية العديدة المطلوبة للحياة (الهيموجلوبين يحمل الأكسجين من الرئة إلى العضلات، والإنسولين ينظم مستوى السكر، والتريبسين يهضم الطعام). وعلى الرغم من وجود عدد ضخم من البروتينات المتنوعة، فإنها كلها تتكون من 20 حمضا أمينيا مختلفا مرتبطة ببعضها كعقد من اللؤلؤ بما يطلق عليه الرابط الببتيدي. توجد معلومات تتابع الأحماض الأمينية التي تكون البروتينات في الحمض النووي، الدنا، الموجود في كل الخلايا، وتنتقل المعلومات الوراثية بواسطة الرنا إلى الريبوسومات، التي تعتبر مركبات جزيئية شديدة التعقيد، والتي في الواقع تكون البروتينات. وقد أرادت عادا يونات أن تكشف عن كيفية تحويل الشفرة الوراثية إلى بروتينات؛ نظرا لأن تتابع الأحماض الأمينية في كل بروتين هو مفتاح نشاطه الوظيفي. بالإضافة إلى ذلك، كانت تعرف أن هذا قد يمثل تطبيقا عظيما للمضادات الحيوية؛ نظرا لأن نصف المضادات الحيوية المفيدة تستهدف الريبوسومات، ولكنها لم تتوقع أن تتمكن من الإسهام فيها. كان الأمر يشبه تسلق قمة جبل إفرست.
لتحقيق هذا الهدف، أرادت عادا يونات أن تحدد الموقع الدقيق لكل ذرة في الريبوسوم باستخدام تقنية معروفة جدا: التصوير البلوري بالأشعة السينية، ولكن هذا يتطلب إعداد بلورات الريبوسوم، المناسبة لتجارب الحيود، التي تنتج أنماط حيود شديدة التعقيد؛ لتوضيح كيفية تمركز مئات الآلاف من الذرات في هذا المركب الجزيئي الضخم! لذلك كانت الخطوة الأولى هي إنتاج بلورات الريبوسوم، وقد حققتها في 1980 باستخدام ريبوسومات كائنات دقيقة مرنة جدا، تعيش تحت ظروف متطرفة، مثل تلك الموجودة في الينابيع الساخنة أو في البحر الميت. كان افتراض يونات هو أن ريبوسومات هذه الكائنات الدقيقة ستكون أكثر ثباتا، وأنها ستكون أقل تدهورا أثناء تحضيرها؛ مما يؤدي إلى تشكيل تجمع متجانس يتمتع بفرصة تبلور عالية. وأثناء العشرين عاما التالية، حسنت بمنتهى الصبر والمثابرة إجراءات التصوير البلوري، خطوة تلو الأخرى. وأخيرا، بعد 15 عاما من بدئها للعمل، اقتنعت مجموعات أخرى بأن هذه المهمة ليست مستحيلة كما كانوا يظنون وتبعوا خطوات عادا يونات. وكان من بين من فعلوا ذلك عالمان حصلا معها على جائزة نوبل، هما توماس ستايتز (1940-...) وفينكاترامان راماكريشنان (1952-...).
في أغسطس وسبتمبر 2000 نشر قادة المجموعات الثلاث أول تركيبات بلورية للريبوسومات، بدرجة دقة تسمح باستنتاج مواقع الذرات.
إن مجال التصوير البلوري للريبوسومات الذي بدأ كمسعى شبه مستحيل لا سبيل للوصول إليه انتهى كمجال جديد خصب كانت عادا يونات رائدته ومؤسسته. علاوة على ذلك؛ فقد كانت بالتأكيد هي من مهدت الطريق لتصميم العقاقير المستند للتركيب لمضادات حيوية جديدة. وعن طريق تحديد تركيبات مركبات مختلفة من المضادات الحيوية، في وقت قصير للغاية، كشفت عن مواقع ربط الريبوسومات-المضادات الحيوية على المستوى الجزيئي، وقدمت رؤية دقيقة لانتقائية المضادات الحيوية وللمقاومة التي تكتسبها مسببات الأمراض للمضادات الحيوية. ووضحت طرق عمل أكثر من 20 مضادا حيويا مختلفا يستهدف الريبوسوم. يمكن أن يحسن الفهم الأفضل لطرق عمل المضادات الحيوية العقاقير الموجودة ويؤدي لتصميم رشيد للعقاقير لتستهدف العوامل البكتيرية بصورة أفضل على المستوى الريبوسومي؛ ولذا يمثل عمل عادا وسيلة للتعامل مع موضوع فعالية العقار ومقاومة البكتريا للمضادات الحيوية، ومن ثم يلمس قضية محورية في الطب.
في البداية كانت الأمور صعبة للغاية، وهي تتذكر أنها كانت تسمى «حمقاء القرية» لسنوات طويلة. ومع ذلك، لم يكن ذلك يزعجها؛ فقد كانت تملك أدلة كافية (رغم أنها لم تقنع غيرها) لإزالة بعض شكوكها حول تحقيق حلمها العلمي، رغم أنها في بعض الأحيان لم تكن على ثقة بأنه يمكن أن يتحقق. ترى عادا يونات أنها كانت محظوظة، ولا سيما في بداية دراساتها حول الريبوسومات؛ لأنها التقت بإتش جي ويتمان (1927-1990)، مدير معهد ماكس بلانك للجينات الجزيئية في برلين، الذي كان يؤمن بالتصوير البلوري للريبوسوم، وشجعها وساعدها في تأسيس وحدتها البحثية في هامبورج، وتعاون معها حتى وفاته في 1990. كما استفادت من بيئة البحث الممتازة التي كانت متوفرة في معهد وايزمان حيث سمح لها بمواصلة بحثها الصعب الذي كان من المتوقع إما أن يثمر عن نتائج هائلة أو يفشل تماما. إلا أن الإسهام الذي قدمته للإنسانية والذي كوفئت عليه بجائزة نوبل كان في الغالب نتيجة مثابرتها وتركيزها الدائم على أهداف البحث التي وضعتها في بداية مسيرتها العلمية.
مشهدان للريبوسوم (الأزرق) مع مضاد حيوي (الأحمر) مرتبط به (المصدر: عانات باشان).
صفحه نامشخص