قال: «العرين الحالك الظلمة أكثر الأماكن ملاءمة» (وجلجل صوت الضمير مشبعا بالعاطفة القوية) وقويت عزيمته، على أن أشد إيحاء يصدر عن عبقرية الإنسان السافلة لن يدنس شرفي بالشهوة، لن يكون ذلك أبدا».
وكانت تقول: «ما أسخفك من غلام! لقد كنت شديدة الرغبة فيك، وإن كنت راغبا في، فلماذا لم ...؟»
فبدأ احتجاجه قائلا: «ولكن يا ليننا ...» وظن لحظة - وهي ترخي ذراعيها وتبتعد عنه - أنها أدركت تلميحه الذي لم يصرح به، ولكنها فكت رباط حزامها الأبيض اللامع المخرق، وعلقته بعناية على ظهر مقعد من المقاعد، فبدأ يظن أنه كان مخطئا.
فكرر نداءه وهو خائف وقال: «ليننا!»
ووضعت يدها على جيدها وجذبت جذبة طويلة رأسية، فانشق قميصها الأبيض الذي يشبه قمصان الملاحين حتى الهدب، فتعززت الشكوك في عزيمته الثابتة وقال: «ليننا، ماذا تصنعين؟»
فكان جوابها فك الإزار، ولم تنبس ببنت شفة، وخلعت عنها سروالها الذي تشبه مؤخرته الناقوس ، وظهر رداؤها الداخلي الذي يسترها من الفرع إلى القدم قرنفليا باهتا، وتدلى فوق صدرها الحرف الذهبي الذي منحها إياه كبير المنشدين. «إن هذا الطعام الدقيق اللبني الذي يخترق عيون الرجال من خلف قضبان النوافذ ...» تذكر هذه العبارة برنينها ودويها وسحرها، فتضاعف في عينيه خطرها وتضاعفت فتنتها، ما أشد نعومتها، ولكن ما أشد طعنات هذه النعومة! إنها تثقب حكمته وتخرقها، وتفت من عزمه، «إن أغلظ الإيمان كالهشيم أمام النار التي تتأجج في الدماء، ليشتد زهدك وإلا ...»
وفكت مشبكا آخر فتشتت أجزاء ردائها الداخلي القرنفلي كالتفاحة أحكم تقسيمها، لقد حركت ذراعها حركة طفيفة، ورفعت قدمها اليمنى أولا، ثم قدمها اليسرى ثانيا فسقط الرداء على الأرض متغضنا لا حياة فيه.
وتقدمت نحوه وهي ما تزال ترتدي جواربها وحذاءها وقبعتها المستديرة البيضاء المائلة بشكل داعر، ومدت إليه ذراعيها وقالت: «عزيزي، عزيزي! لماذا لم تقل ذلك؟»
ولكن بدلا من أن يجيبها بقوله مثلها: «عزيزتي! عزيزتي!» وبمد ذراعيه نحوها، تراجع الهمجي مذعورا ملوحا بيديه نحوها، كأنه يحاول أن يبعد حيوانا دخيلا مضطرا، وخطا إلى الخلف أربع خطوات، ثم استند إلى الحائط في مأمن منها.
ووضعت ليننا يديها فوق منكبيه وضمت نفسها إليه ضما شديدا، وقالت: «ما أحلاك!» وأمرته أن يطوقها بذراعيه قائلة: «عانقني يا حبيبي حتى تخدرني!» عجبا! إن في صوتها وهي تأمره لشعرا، وإنها لتعرف كلمات كأنها الغناء أو الرقي أو دق الطبول، وأغمضت عينيها وتكلمت بصوت خافت، كأنه همهمة النائم وقالت: «قبلني حتى أفقد رشدي، عانقني يا حبيبي وأثلج صدري ...»
صفحه نامشخص