على عكس المنطقة الشمالية لا نجد في منطقة القطب الجنوبي محيطا مماثلا للشمال، بل كتلة قارية ضخمة تصل مساحتها إلى حوالي 15 مليونا من الكيلومترات المربعة، لكنها ليست مأهولة على الإطلاق، هذه هي قارة القطب الجنوبي التي تتكون من هضبة عالية لا نعرف عن تضاريسها سوى النذر اليسير، فسواحلها متعرجة أيضا، وأكثرها تعرجا وتداخلا مع البحر تلك المنطقة التي تقع جنوب أمريكا الجنوبية وجنوب نيوزيلندا حيث توجد بحار ودل وبلنجهاوزن وروس على التوالي، وإلى الشمال من بحر ودل تمتد بعض الجزر في اتجاه أمريكا منها جزر شتلند الجنوبية وأوركني الجنوبية وكلها معتمدية فالكلاند البريطانية.
ولم تعرف في هذه القارة أية منطقة يمكن أن ينمو فيها النبات، كما أن مصادرها من المعادن والوقود غير معروفة، والخلاصة أن القارة ككل غير ذات قيمة اقتصادية معروفة في الوقت الراهن، والأهمية الوحيدة المعروفة حاليا هي وجود قواعد لسفن الصيد في المنطقة وخاصة سفن صيد الحيتان، وحتى هذه القواعد ليست على سواحل أنتاركتيكا، إنما هي موجودة في الجزر المحيطة بها مثل سوث أوركني وساوث ساندويتش وجزيرة دسبشن، وكلها بالقرب من جراهم لاند وشبه جزيرة أنتاركتيكا.
وفيما يبدو أيضا أن القيمة الأساسية للقارة الجنوبية مرتبطة بمحطات الأرصاد والأبحاث العلمية التي تعطي تنبؤات جيدة عن الطقس.
وبرغم القيمة المحدودة، فإن توقعات المستقبل اقتصاديا واستراتيجيا قد جعل بعض الدول تعلن ادعاءات ملكية على جزء من أراضي أنتاركتيكا منذ مطلع هذا القرن في صورة قطاعات مثلثة الشكل تبدأ كلها من نقطة القطب الجنوبي وتنتهي بساحل عريض أو ضيق، وتدعي بريطانيا وأستراليا ونيوزيلندا ملكية حوالي نصف القارة، وللنرويج ادعاء على جزء كبير وفرنسا ادعاء على شريط صغير، وهناك مناطق أخرى تدعيها الأرجنتين وشيلي، وأحيانا تنشب نزاعات حول هذه الادعاءات كان يمكن أن تؤدي إلى نزاعات عسكرية.
وفي عام 1925 أعلنت الأرجنتين ادعاءها بوضع اليد على قطاع جنوبي الأطلنطي وأمريكا الجنوبية برغم أنه كان ادعاء بريطانيا باسم معتمدية فالكلاند ، وفي عام 1940 أعلنت دولة شيلي ادعاء مماثلا على قطاع جزء كبير منه تحت الادعاء الأرجنتيني والإنجليزي.
وقد تأسست معظم الادعاءات على ملكية أراضي أنتاركتيكا على الكشف الجغرافي، فحين يقوم كشاف بارتياد منطقة تعلن دولته أنها أصبحت جزءا من أملاكها، لكن الادعاء الأرجنتيني قد انبنى على إنشاء محطة أرصاد منذ عام 1904 على جزيرة قريبة من ساحل القارة، أما الادعاء الذي تقدمت به شيلي فقائم على أساس محطة صيد الحيتان التي أنشأتها في جزيرة دسبشن منذ عام 1906، وكلتاهما ليستا على ساحل القارة، وقد أخذت شيلي والأرجنتين مؤخرا في إدارة محطات رصد سنوية على أرض القارة ذاتها في محاولة لتدعيم ادعاءاتهما، وكذلك فعل الإنجليز في شبه جزيرة بالمار في القطاع نفسه الذي تدعيه الدول الثلاث.
وفي خلال السنة الدولية الجيوفيزيقية 1957-1958 اشتركت دول كثيرة في الدراسة العلمية منها الاتحاد السوفيتي والولايات المتحدة، وقد عقدت عام 1959 معاهدة أنتاركتيكا وقعت عليها اثنتا عشرة دولة هي: الأرجنتين - أستراليا - بلجيكا - شيلي - فرنسا - بريطانيا - اليابان - نيوزيلندا - النرويج - جنوب أفريقيا - الاتحاد السوفيتي - الولايات المتحدة.
وتنص معاهدة أنتاركتيكا على إعلان «موراتوريوم» - وقف لكل الادعاءات من أجل التملك في القارة الجنوبية لمدة ثلاثين عاما في المنطقة الممتدة جنوب درجة العرض 60 جنوبا، فيما عدا أعالي البحار، وتنص أيضا على أن يكون استخدام هذه القارة من أجل الأغراض السلمية والتعاون الدولي في مجالات الأبحاث، والمحافظة على الموارد الحية الموجودة حاليا، ومنع التفجيرات الذرية وتخزين الأسلحة الذرية أو نفايات المواد المشعة فيها، كما اتفقت أيضا على رقابة تفتيش دولي مشترك لمنع النشاطات العسكرية وتنفيذ بنود هذه الاتفاقية.
الفصل الثالث
الشمال السوفيتي
صفحه نامشخص