فيقول ...
8
من شاء فليشك، ومن شاء فليستيقن. أما أنا فلن يجد الشك إلى نفسي سبيلا بعد اليوم. لقد تأذن الله بأن كل شيء من حولنا سيتغير. فطوبى للذين يبلغون الآية الكبرى! وطوبى للذين يرونها فتقبلها قلوبهم مطمئنة إليها، وتقبلها عقولهم مؤمنة بها؛ ورحمة للذين تقصر بهم آمالهم عن بلوغ هذا الوقت السعيد؛ والويل كل الويل للذين يرون ثم لا يؤمنون!
قال الراهب الشيخ: فحدثني يا بني بما رأيت، حتى إذا فرغت من حديثك فكن كما شئت مبشرا ومنذرا.
قال «بحيرى»: لقد رأيته، ما يبلغني في ذلك شك، وما يمسني فيه ريب.
قال الشيخ: من هذا الذي رأيته؟
قال «بحيرى»: هو الذي سيغير من حولنا كل شيء. وهو الذي سيتم ما جاء به الأنبياء والرسل. هو الذي سيحقق ما بشرت به الكتب المقدسة. هو الذي سيصدق ما امتلأت به التوراة والإنجيل.
وكان الذين يسمعون هذا الحديث قد أخذت عليهم ألبابهم واختلطت عليهم أمورهم؛ فكانوا يسمعون ومنهم الشاك المرتاب، ومنهم المشوق إلى التصديق المشغوف بالإيمان، الذي لا ينتظر إلا أن تهدأ عن هذا المتحدث ثورته، فيفصح عما في نفسه ويعرب عما يريد أن يقول.
وكان الراهب الشيخ والفيلسوف الفتى قد بلغا من هذا الشوق أقصاه حتى كأنهما استحالا شوقا خالصا.
فلما طال على الراهب الانتظار، وكاد يفقد الصبر، قال لصاحبه «بحيرى» وهو يتكلف الأناة والهدوء: مهلا يا بني! إن كنت تريد أن نصدقك فاقصص علينا أمرك! فإن إطالة التشويق توشك أن تنتهي بك وبنا إلى اليأس المهلك!
صفحه نامشخص