وعاد جاني باي من قصر السلطان، فصحب جاريته إلى سوق الرقيق في خان الخليلي، وصعد بها الدلال إلى الدكة في ثوب يشف ويصف، وقد حسرت عن وجهها وذراعيها تتناهبها عيون الناس ويسومها المفلس والمليء، وقد وقف الدلال يهتف بمحاسنها ويفتن في الوصف والإغراء ...
وقف الدلال يهتف بمحاسنها، ويفتن في الوصف والإغراء.
على أن هذا الموقف الذليل لم يستمر طويلا؛ فقد تقدم إلى الدكة واحد من خاصة الأمير أقبردي الدوادار، فدفع ثمنها وصحبها إلى بيت مولاه تتعثر في خطاها من الانكسار والمذلة.
وقفل جاني باي تاجر المماليك من السوق إلى داره سعيدا بما ناله من عطف السلطان، وبما ظفر من الربح في صفقة الجارية.
وتوزعت الأقدار حظوظ المماليك الثلاثة: طومان، ومصرباي، وخاير بن ملباي، وانشعبت بهم الطريق شعابا ثلاثة إلى حيث لا يعلم واحد منهم أين ينتهي به القدر!
وعاد أقبردي الدوادار وأخوه كرت باي إلى دارهما بعد رحلة طويلة شاقة في بلاد الصعيد، حيث كانا يقودان حملة لتأديب بعض العصاة من أعراب الجنوب، أولئك الأعراب الجفاة الذين لا تكاد تهدأ لهم ثائرة، ولا يريدون أن يدخلوا في طاعة سلطان الجركس، كأنما خيل إليهم أنهم يستطيعون أن يردوا الملك إلى العرب، وأن يعود إليهم العرش والتاج والسلطان!
وكانت زوجة أقبردي في ذلك اليوم في قصر القلعة تزور أختها زوجة السلطان قايتباي، فتهيأت الفرصة لمصرباي الجركسية لتبرز في مجلس أقبردي وأخيه كرت باي. ومد كرت باي عينيه فالتقتا بعيني مصرباي، ورأى ما لم تر عيناه قبل اليوم من جمال وفتنة، فخر لساعته صريعا وانعقد لسانه من دهشة المفاجأة، فلم ينبس بحرف، وترك عينيه تقولان ما لم يستطع بيانه بلسان!
وانعقدت آمال كرت باي منذ اليوم بمصرباي، وانعقدت به آمالها، وتجددت أحلامها بالإمارة والسلطان. ومثل كرت باي حقيق بأن يبلغ بها الإمارة والسلطان ...
وذاع ما بين كرت باي وصاحبته حتى صار أفكوهة السامرين من مماليك القصر وجواريه، وحتى عرفته سيدة الدار زوجة أقبردي.
وجاءت السلطانة ذات يوم لزيارة أختها فرأت مصرباي، فرغبت إلى أختها أن تهبها لها فتتخذها وصيفة من وصيفات البلاط، فقالت مولاتها ضاحكة: قد كان لك ذلك يا خوند، لولا كرت باي، فليس يهون علي أن أفرق بينهما!
صفحه نامشخص