118

قال السلطان ضاحكا: اسكت يا شيخ! إنك لتحمل على كاهلك من أعباء السنين ما لا تقوى معه على حمل الراية على رأس جيش السلطان سليم!

مثل سفير ابن عثمان بين يدي السلطان الغوري يبشره بما فتح الله على السلطان سليم، وما أتاح له من النصر على علاء الدولة صاحب مرعش، ويقدم له رءوس القتلى ...

وخفق قلب السلطان الشيخ خفقة ذعر، واختلج ضميره اختلاجة ندم، وتخيل علاء الدولة وقد تفرق من حوله جنده وأسلموه إلى عدوه يحتز رأسه، فكأن قد رأى نفسه في مثل موقفه ذاك في يوم ما ... فشحب وجهه وبردت أطرافه، ثم استجمع قوته ليقول لسفير ابن عثمان: إنني لسعيد بما أفاء الله على السلطان سليم من النصر والغنيمة، ولعله أن يجد من توفيق الله في قتال الصفوية، مثل ما لقي في قتال ذلك الخارجي العاصي ...

وعض على شفتيه وعاد قلبه يخفق، وأحس وخز ضميره.

وغادر السفير مجلس السلطان، فدعا الغوري أمراءه ليشاورهم في الأمر: إن قلبه ليحدثه بأن شرا يتربص به على حدود الدولة، حيث خيمت جنود ابن عثمان في انتظار ما يصدر إليهم من أمر، إما إلى الشرق وإما إلى الغرب.

واجتمع الأمراء في مجلس السلطان يتبادلون المشورة، وقال الغوري: ليس بي من خوف، وإن أمراءنا على الحدود لأهل حمية في الدفاع، وما أخشى منهم إلا أن ينتقض سيباي نائب الشام.

قال الدوادار الكبير طومان باي: ولكني يا مولاي أخشى غدرة خاير بن ملباي نائب حلب أكثر مما أخشى سيباي، إن سيباي لذو حفاظ ومروءة، وإن خيل لمولاي ما خيل من أمره، أما خاير ...

فقاطعه الغوري قائلا: لا تزال يا أمير تسيء الظن بخاير بك، وما أراه أهلا لموجدتك، على أننا لم نجتمع الساعة للمشاورة في شأن خاير أو سيباي، ولكنني أخشى غدرة ابن عثمان!

وتشاور الأمراء ساعة ثم انتهوا إلى الرأي، واتفقوا على إنفاذ حملة احتياطية إلى حلب، تنتظر ما يكون من أمر ابن عثمان والصفوي، وتعد عدتها للدفاع ... وإيفاد رسول إلى بلاد ابن عثمان يستطلع الأنباء ويقتص الأثر ...

ومضت أشهر قبل أن تخرج الحملة المصرية إلى حلب، وقبل أن يسافر رسول السلطان، وكان سفراء ابن عثمان لا يزالون يفدون إلى القاهرة سفيرا بعد سفير ثم يعودون، فيولم لهم السلطان ولائمه ويكرم وفادتهم، وعيونهم مبثوثة في كل حي من أحياء القاهرة وآذانهم مرهفة للسمع ...

صفحه نامشخص