غرفة الانتظار
عندما استردت آيريس وعيها، عادت إليها رقع من بصرها في بادئ الأمر . كانت ترى وجوها غير مكتملة تطفو في الهواء. كان يبدو أنه الوجه نفسه؛ ذو البشرة الباهتة، والعينين السوداوين، والأسنان النخرة.
شيئا فشيئا، أدركت أنها ممددة على دكة فيما يشبه السقيفة تلتف حولها مجموعة من النساء. كن من الفلاحات، تتشابه ملامحهن العرقية، وعزز من تشابههن مصاهرتهن لأقاربهن.
كن يحدقن فيها بفتور ولا مبالاة، وكأنها مشهد لافت للنظر في الشارع؛ حيوان يحتضر أو رجل يعاني نوبة ما. لم يكن في وجوههم الخالية من التعبير أي ذرة تعاطف، ولم تحمل نظراتهم المتبلدة أي لمحة فضول. بلا مبالاتهن التامة تلك، بدون وكأنما يفتقرن إلى الغرائز الفطرية الإنسانية.
سألت بحدة: «أين أنا؟»
بدأت امرأة ترتدي ثياب عمل سوداء تتحدث بلغة حنجرية لم تحمل مقدار ذرة من معنى بالنسبة لآيريس. أصغت إليها بالهلع والعجز نفسيهما اللذين تملكا منها أمس في الخور. في الواقع، كان وجه المرأة قريبا جدا منها حتى إنها تبينت تجاويف بشرتها، والشعيرات النابتة في فتحتي أنفها، لكن الفلقة بينهما كانت كبيرة لدرجة جعلتهما يبدوان وكأنهما يقفان على كوكبين مختلفين.
كانت تتمنى أن ينير أحد ما عتمتها؛ أن يزيح الستار الذي يربكها ويعميها. لقد وقع لها أمر ما لا تعرفه.
كان احتياجها يتخطى قدرة الإيماءات على الشرح؛ فلن يذهب ارتباك حواسها سوى تفسير واضح. في تلك اللحظة، فكرت في نزلاء الفندق الآخرين الذين فرت منهم فعليا. كانت مستعدة الآن أن تتخلى عن سنوات من عمرها كي ترى وجه القس القوي الروحاني، أو تنظر في عيني زوجته الطيبتين.
في محاولة منها لاستيعاب الواقع، نظرت حولها. كان المكان مألوفا نوعا ما بحوائطه الخشبية الداكنة وأرضيته المغطاة بالرمال التي كانت بمثابة مبصقة عامة. كان هناك شريط من ضوء الشمس المشوب بالغبار يسقط على أكواب سميكة مرصوصة على رف، وعلى رزمة من إعلانات ورقية يرفرفها الهواء.
رفعت رأسها أكثر فشعرت بنبضة من الألم الخفيف تبعه هجمة من الدوار. لوهلة شعرت أنها ستتقيأ، لكن ما لبث أن طغت صدمة التذكر على الغثيان.
صفحه نامشخص